ولهذا كان سيد الشفعاء إذا طلب منه الخلق الشفاعة يوم القيامة يأتي ويسجد تحت العرش قال: " فأحمد ربي بمحامد يفتحها علي لا أحسنها الآن فيقال: أي محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع ". فإذا أذن الله في الشفاعة شفع لمن أراد الله أن يشفع فيه. قال أصحاب هذا القول: فلا يجوز أن يشرع ذلك في مغيبه بعد موته، وهو معنى الإقسام به على الله والسؤال بذاته، فإن الصحابة ﵃ قد فرقوا بين الأمرين، فإن في حياته ﷺ ليس في ذلك محذور ولا مفسدة، فإن أحدًا من الأنبياء لم يعبد في حياته بحضوره فإنه ينهى أن يشرك به ولو كان شركًا أصغر، كما أن من سجد له نهاه عن السجود له، وكما قال: " لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد " وأمثال ذلك.
وأما بعد موته فيخاف الفتنة والإشراك به كما أشرك بالمسيح والعزيز وغيرهما ولهذا كانت الصلاة في حياته مشروعة عند قبره منهيًا عنها والصلاة خلفه في المسجد مشروعة إن لم يكن المصلي ملاقاته والصلاة إلى قبره منهيًا عنها (١) .
فمعنا أصلان عظيمان: أحدهما أنه لا يعبد إلا الله، والثاني أن لا يعبد إلا بما شرع لا بعبادة مبتدعة، وقد كان عمر بن الخطاب ﵁ يقول في دعائه: اللهم اجعل عملي كله صالحًا، واجعله لوجهك خالصًا، ولا تجعل لأحد فيه شيئًا.
وفي الصحيحين عن عائشة ﵂ أن النبي ﷺ قال: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " فلا ينبغي لأحد أن يخرج عما مضت به السنة، وجاءت به الشريعة ودل عليه الكتاب والسنة، وكان عليه سلف الأمة، وما
_________
(١) هذه العبارة كلها قد حرفها الناسخ ولم نجد لها أصلا في كتاب التوسل والوسيلة نصححها عليه والذي يعلم من القرائن بمعونة الأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة في القبور وإليها والنهي عن اتخاذ قبره وثنا يعبد واتخاذه عيدا - أن
الصلاة خلفه (ص) أو بالقرب منه في حياته لم يكن يخشى أن يقصد بها تعظيمه بها فيكون اشراكا لأنها غير خالصة لله تعالى، وأما الصلاة إلى قبره وتعظيمه بعد وفاته فيخشى منه ذلك ولذلك نهى عنه
1 / 16