الرسالة الأولى مناقب الترك
بسم الله الرحمن الرحيم
وفقك الله لرشدك، وأعان على شكرك، وأصلحك وأصلح على يديك، وجعلنا وإياك ممن يقول بالحق ويعمل به، ويؤثره ويحتمل ما فيه مما قد يصده عنه، ولا يكون حظه منه الوصف له والمعرفة به، دون الحث عليه والانقطاع إليه وكشف القناع فيه وإيصاله إلى أهله، والصبر على المحافظة في ألا يصل إلى غيرهم، والتثبت في تحقيقه لديهم، فإن الله تعالى لم يعلم الناس ليكونوا عالمين دون أن يكونوا عاملين، بل علمهم ليعملوا، وبين لهم ليتقوا التورط في وسط الخوف، والوقوع في المضار، والتوسط في المهالك.
فذلك طلب الناس التبين، ولحب السلامة من الهلكة، والرغبة في المنفعة، احتملوا ثقل العلم، وتعجلوا مكروه المعاناة. ولقلة العاملين وكثرة الواصفين قال الأولون: العارفون أكثر من الواصفين، والواصفون أكثر من العاملين. وإنما كثرت الصفات وقلت المواصفات، لأن ثواب العمل مؤجل، واحتمال ما فيه معجل.
Shafi 5
وقد أعجبني ما رأيت من شغفك بطاعة إمامك، والمحاماة لتدبير خليفتك، وإشفاقك من كل خلل وخلة دخل على ملكه وإن دق، ونال سلطانه وإن صغر، ومن كل أمر خالفه وإن خفي مكانه، وجانب رضاه وإن قل ضرره؛ ومن تخوفك أن يجد المتأول إليه طريقا والعدو عليه متعلقا؛ فإن السلطان لا يخلوا من متأول ناقم، ومن محكوم عليه ساخط، ومن معدول عن الحكم زار، ومن متعطل متصفح، ومن معجب برأيه ذي خطل في بيانه، مولع بتهجين الصواب، وبالاعتراض على التدبير، حتى كأنه رائد لجميع الأمة، ووكيل لسكان جميع المملكة؛ يضع نفسه في موضع الرقباء، وفي موضع التصفح على الخلفاء والوزراء؛ لا يعذر وإن كان مجاز العذر واضحا، ولا يقف فيما يكون الشك محتملا، ولا يصدق بأن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، وأنه لا يعرف مصادر الرأي من لم يشهد موارده، ومستدبره من لم يعرف مستقبله. ومن محروم قد أضغنه الحرمان، ومن لئيم قد أفسده الإحسان. ومن مستبطئ قد أخذ أضعاف حقه، وهو لجهله بقدره، ولضيق ذراعه وقلة شكره، يظن أن الذي بقي له أكثر ، وأن حقه أوجب. ومن مستزيد لو ارتجع السلطان سالف أياديه البيض عنده، ونعمه السالفة عليه، لكان لذلك أهلا، وله مستحقا. قد غره الإملاء، وأبطره دوام الكفاية، وأفسده طول الفراغ. ومن صاحب فتنة خامل في الجماعة، رئيس في الفرقة، نعاق في الهرج، قد أقصاه السلطان، وأقام صغوه ثقاف الأدب، وأذله الحكم بالحق، فهو مغيظ لا يجد غير التشنيع، ولا يتشفى بغير الإرجاف، ولا يستريح إلا إلى الأماني، ولا يأنس إلا بكل مرجف كذاب، ومفتون مرتاب، وخارص لا خير فيه، وخالف لا غناء عنده، يريد أن يسوى بالكفاة، ويرفع فوق الحماة، لأمر ما سلف له، ولإحسان كان من غيره، وليس ممن يرب قديما بحديث، ولا يحفل بدروس شرف، ولا يفصل بين ثواب المحتسبين، وبين الحفظ لأبناء المحسنين.
وكيف يعرف فرق ما بين حق الذمام وثواب الكفاية، من لا يعرف طبقات الحق في مراتبه، ولا يفصل بين طبقات الباطل في منازله.
Shafi 7
ثم أعلمتني بذلك أنك بنفسك بدأت في تعظيم إمامك، والحفظ لمناقب أنصار خليفتك، وإياها حطت بحياطتك لأشياعه، واحتجاجك لأوليائه. ونعم العون أنت إن شاء الله على ملازمة الطاعة، والمؤازرة على الخير، والمكانفة لأهل الحق.
وقد استدللت بذلك بالذي أرى من شدة عنايتك، وفرط اكتراثك، وتفقدك لأخابير الأعداء وبحثك عن مناقب الأولياء، على أن ما ظهر من نصحك أمم، في جنب ما بطن من إخلاصك.
فأمتع الله بك خليفته، ومنحنا وإياك محبته، وأعاذنا وإياك من قول الزور، والتقرب بالباطل، إنه حميد مجيد، فعال لما يريد.
Shafi 8
وذكرت أبقاك الله أنك جالست أخلاطا من جند الخليفة، وجماعة من أبناء الدعوة، وشيوخا من جلة الشيعة، وكهولا من أبناء رجال الدولة، والمنسوبين إلى الطاعة والمناصحة، والمحبة الدينية، دون محبة الرغبة والرهبة، وأن رجلا من عرض تلك الجماعة، ومن حاشية تلك الجلة، ارتجل الكلام ارتجال مستبد، وتفرد به تفرد معجب، وأنه لم يستأمر زعمائهم، ولم يراقب خطباءهم، وأنه تعسف المعاني وتهجم على الألفاظ، وزعم أن جند الخلافة اليوم على خمسة أقسام: خرا ساني، وتركي، ومولى، وعربي، وبنوي. وأنه أكثر من حمد الله وشكره على إحسانه ومننه، وعلى جميع أياديه وسابغ نعمه، وعلى شمول عافيته وعلى جزيل مواهبه، حين ألف على الطاعة هذه القلوب المختلفة، والأجناس المتباينة، والأهواء المتفرقة،. وأنك اعترضت على هذا المتكلم المستبد، وعلى هذا القائل المتكلف، الذي قسم هذه الأقسام، وخالف بين هذه الأركان، وفصل بين أنسابهم، وفرق بين أجناسهم، وباعد بين أسبابهم. وأنك أنكرت ذلك عليه أشد الإنكار، وقذعته أشد القذع، وزعمت أنهم لم يخرجوا من الاتفاق أو من شيء يقرب من الاتفاق. وأنك أنكرت التباعد في النسب، والتباين في السبب. وقلت: بل أزعم أن الخراساني والتركي أخوان، وأن الحيز واحد، وأن حكم ذلك الشرق، والقضية على ذلك الصقع متفق غير مختلف، ومتقارب غير متفاوت. وأن الأعراق في الأصل إن لا تكن كانت راسخة فقد كانت متشابهة، وحدود البلاد المشتملة عليهم إن
Shafi 9
لا تكن متساوية فإنها متناسبة، وكلهم خرا ساني في الجملة وإن تميزوا ببعض الخصائص، فافترقوا ببعض الوجوه.
وزعمت أن اختلاف التركي والخراساني ليس كالاختلاف بين العجمي والعربي، ولا كالاختلاف بين الرومي والصقلي والزغبي والحبشي، فضلا عما هو أبعد جوهرا وأشد خلافا. بل كاختلاف ما بين المكي والمدني، والبدوي والحضري، والسهلي والجبلي، وكاختلاف ما بين الطائي الجبلي والطائي السهلي، وكما يقال: أن هذيلا أكراد العرب، وكاختلاف ما بين من نزل الحزون، وبين نزل البطون، وبين نزل النجود وبين نزل الأغوار.
Shafi 10
وزعمت أن هؤلاء وإن اختلفوا في بعض اللغة، وفارق بعضهم بعضا في بعض الصور، فقد تخالفت عليا تميم، وسفلي قيس، وعجز هوازن وفصحاء الحجاز، في اللغة، وهي أكثرها على خلاف لغة حمير، وسكان مخاليف اليمن، وكذلك في الصورة والشمائل والأخلاق. وكلهم مع ذلك عربي خالص، غير مشوب ولا معلهج ولا مذرع ولا مزلج. ولم يختلفوا اختلاف ما بين بني قحطان وبني عدنان، من قبل ما طبع الله عليه تلك البرية من خصائص الغرائز، وما قسم الله تعالى لأهل كل جيزة من الشكل والصورة ومن الأخلاق واللغة.
فإن قلت: فكيف كان أولادهما جميعا عربا مع اختلاف الأبوة.
قلنا: إن العرب لما كانت واحدة فاستووا في التربة وفي اللغة، والشمائل والهمة، وفي الأنف والحمية، وفي الأخلاق والسجية، فسكبوا سبكا واحدا، وأفرغوا إفراغا واحدا، وكان القالب واحدا، تشابهت الأجزاء وتناسبت الأخلاط، وحين صار ذلك أشد تشابها في باب الأعم والأخص وفي باب الوفاق والمباينة من بعض ذوي الأرحام، جرى عليهم حكم الاتفاق في الحسب، وصارت هذه الأسباب ولادة أخرى حتى تناكحوا عليها، وتصاهروا من أجلها، وامتنعت عدنان قاطبة من مناكحة بنى إسحاق وهو أخو إسماعيل، وجادوا بذلك في جميع الدهر لبنى قحطان - وهو ابن عابر - ففي إجماع الفريقين على التناكح والمصاهرة، ومنعهما من ذلك جميع الأمم: كسرى فمن دونه، دليل على أن النسب عندهم متفق، وأن هذه المعاني قد قامت عندهم مقام الولادة والأرحام الماسة.
Shafi 11
وزعمت أنه أراد الفرقة التخريب، وأنك أردت الألفة والتقريب.
Shafi 12
وزعمت أيضا أن البنوى خراساني، وأن نسب الأبناء: نسب آبائهم، وأن حسن صنيع الآباء، وقديم فعال الأجداد هو حس الأبناء. وأن الموالي بالعرب أشبه، وإليهم أقرب، وبهم أمس؛ لأن السنة جعلتهم منهم. فقلت: إن الموالي أقرب إلى العرب في كثير من المعاني؛ لأنهم عرب في المدعى، وفي العاقلة، وفي الوراثة. وهذا تأويل قوله مولى القوم منهم ومولى القوم من أنفسهم، " والولاء لحمة كلحمة النسب " وعلى شبيه ذلك صار حليف القوم منهم، وحكمه حكمهم، فصار الأخنس بن شريق وهو رجل من ثقيف، وكذلك يعلى بن منية وهو رجل من بلعودية، وكذلك خالد بن عرفطة وهو رجل من عذرة من قريش. وبذلك النسب حرمت الصدقة على موالي بني هاشم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم أجراهم في باب التنزيه والتطهير مجرى مواليهم. وبذلك السبب قدم النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب على بني عبد شمس، وقرابتهم سواء ونسبهم واحد، للعقد المتقدم، وللأيدي المتفقة.
وقال صلى الله عليه وسلم: " منا خير فارس في العرب: عكاشة بن محصن "، فقال ضرار بن الأزور الأسدي: ذاك رجل منا يا رسول الله. قال: " بل هو منا بالحلف ". فجعل حليف القوم منهم، كما جعل بن أخت القوم منهم.
ثم زعمت أن الأتراك قد شاركوا هؤلاء القوم في هذا النسب، وصاروا من العرب بهذا السبب، مع الذي بانوا به من الخلال، وحبوا به من شرف الخصال.
Shafi 13
على أن ولاء الأتراك للباب قريش، ولمصاص عبد مناف، وهم في سر بني هاشم وهاشم موضع العذار من خد الفرس، والعقد من لبة الكاعب، والجوهر المكنون، والذهب المصفى، وموضع المحة من البيضة، والعين في الرأس، والروح من البدن؛ وهم الأنف المقدم، والسنام الأكبر، والدرة الزهراء، والروضة الخضراء، والذهب الأحمر. فقد شاركوا العرب في أنسابهم، والموالي في أسبابهم، وفضلوهم بهذا الفضل الذي لا يبلغه فضل وإن برع، بل لا يعشره شرف وإن عظم، ولا مجد وإن قدم.
فزعمت أن أنساب الجميع متقاربة غير متباعدة، وعلى حسب ذلك التقارب تكون المؤازرة والمكاتفة، والطاعة والمناصحة، والمحبة للخلفاء الأئمة.
وذكرت أنه ذكر جملا من مفاخرة الأجناس، وجمهرة من مناقب هذه الأصناف، وأنه جمع ذلك وفصله وفسره، وأنه ألغى ذكر الأتراك فلم يعرض لهم، وأضرب عنهم صفحا، يخبر عنهم كما أخبر عن حجة كل جيل، وعن برهان كل صنف؛ وذكر أن الخراساني يقول: نحن النقباء وأبناء النقباء، ونحن النجباء وأبناء النجباء، ومنا الدعاة، قبل أن تظهر نقابة، أو تعرف نجابة، وقبل المبالغة والمباراة، وقبل كشف القناع وزوال التقية وزوال ملك أعدائنا عن مستقره، وثبات ملك أوليائنا في نصابه. وبين ذلك ما قتلنا وشردنا، ونهكنا ضربا وبضعنا بالسيوف الحداد، وعذبنا بألوان العذاب.
Shafi 14
وبنا شفى الله الصدور، وأدرك الثأر. ومنا الإثنا عشر النقباء، والسبعون النجباء. ونحن الخندقية، ونحن الكفية وأبناء الكفية، ومنا المستجيبة ومن يهرج التيمية ومنا نيم خزان وأصحاب الجوربين ومنا الزغندية والآزاذمردية.
ونحن فتحنا البلاد وقتلنا العباد، وأبدنا العدو بكل واد. ونحن أهل هذه الدولة، وأصحاب هذه الدعوة، ومنبت هذه الشجرة. ومن عندنا هبت هذه الريح.
والأنصار أنصاران: الأوس والخزرج نصرو النبي صلى الله عليه وسلم في أول الزمان، وأهل خراسان نصروا ورثته في آخر الزمان. غذانا بذلك آباؤنا وغذونا به أبناءنا، وصار لنا نسبا لا نعرف إلا به، ودينا لا نوالي إلا عليه.
Shafi 15
ثم نحن على وتيرة واحدة، ومنهاج غير مشترك؛ نعرف بالشيعة، وندين بالطاعة، ونقتل فيها ونموت عليها. سيمانا موصوف، ولباسنا معروف. ونحن أصحاب الرايات السود، والروايات الصحيحة، والأحاديث المأثورة، والذين يهدمون مدن الجبابرة، وينزعون الملك من أيدي الظلمة. وفينا تقدم الخبر، وصح الأثر. وجاء في الحديث صفة الذين يفتحون عمورية ويظهرون عليها، ويقتلون مقاتليها ويسبون ذراريها، حيث قالوا في نعتهم: شعورهم شعور النساء، وثيابهم ثياب الرهبان. فصدق الفعل القول، وحقق الخبر العيان.
ونحن الذين ذكرنا وذكر بلاءنا أمام الأئمة، وأبو الخلائق العشرة: محمد بن علي، حين أراد توجيه الدعاة إلى الآفاق، وتفريق شيعته في البلاد، أن قال:
أما البصرة وسوادها فقد غلب عليها عثمان وصنائع عثمان، فليس بها من شيعتنا إلا القليل. وأما الشام فشيعة بني مروان وآل أبي سفيان. وأما الجزيرة فحرورية شارية، وخارجة مارقة، ولكن عليهم بهذا الشرق؛ فإن هناك صدورا سليمة وقلوبا باسلة، لم تفسدها الأهواء، ولم تخامرها الأدواء، ولم تعتقبها البدع، وهم مغيظون موتورون. وهناك العدد والعدة، والعتاد والنجدة.
Shafi 16
ثم قال: وأنا أتفاءل إلى حيث يطلع منه النهار. فكنا خير جند لخير إمام؛ فصدقنا ظنه، وثبتنا رأيه، وصوبنا فراسته.
وقال مرة أخرى:
أمرنا هذا شرقي لا غربي، ومقبل لا مدبر، يطلع كطلوع الشمس، ويمتد على الآفاق امتداد النهار، حتى يبلغ حيث تبلغه الأخفاف، وتناله الحوافر.
قالوا: ونحن قتلنا الصحصحية، والدالقية، والذكوانية، والراشدية. ونحن أيضا أصحاب الخنادق أيام نصر بن سيار، وابن جديع الكرماني، وشيبان بن سلمة الخارجي. ونحن أصحاب نباتة بن حنظلة، وعامر بن ضبارة، وأصحاب ابن هبيرة. فلنا قديم هذا الأمر وحديثه، وأوله وآخره
Shafi 17
ومنا قاتل مروان.
ونحن قوم لنا أجسام وأجرام، وشعور وهام، ومناكب عظام، وجباه عراض، وقصر غلاظ، وسواعد طوال.
ونحن أولد للذكورة، وأنسل بعولة، وأقل ضوي وضؤولة، وأقل إتآما وأنتق أرحاما، وأشد عصبا وأتم عظاما، وأبداننا أحمل للسلاح، وتجفافنا أملأ للعيون.
ونحن أكثر مادة، وأكثر عددا وعدة.
ولو أن يأجوج ومأجوج كاثروا من وراء النهر منا لظهروا عليهم بالعدد. فأما الأيد وشدة الأسر، فليس لأحد بعد عاد وثمود والعمالقة والكنعانيين مثل أيدينا وأسرنا.
Shafi 18
ولو أن خيول الأرض وفرسان جميع الأطراف جمعوا في حلبة واحدة، لكنا أكثر في العيون، وأهول في الصدور.
ومتى رأيت مواكبنا وفرساننا، وبنودنا التي لا يحملها غيرنا، علمت أننا لم نخلق إلا لقلب الدول، وطاعة الخلفاء، وتأييد السلطان.
ولو أن أهل التبت ورجال الزابج، وفرسان الهند، وحلبة الروم، هجم عليهم هاشم بن أشتاخنج لما امتنعوا من طرح السلاح والهرب في البلاد.
ونحن أصحاب اللحى وأرباب النهي، وأهل الحلم والحجا، وأهل الثخانة في الرأي، والبعد من الطيش. ولسنا كجند الشام المتعرضين للحرم، والمنتهكين لكل محرم.
Shafi 19
ونحن ناس لنا أمانة وفينا عفة. ونحن نجمع بين النزاهة والقناعة والصبر على الخدمة، والتجمير عند بعد الشقة. ولنا الطبول المهولة العظام والبنود، ونحن أصحاب التجافيف والأجراس، والبازيكند واللبود الطوال، والأغماد المعقفة والشوارب المعقربة، والقلانس الشاشية، والخيول الشهرية، والكافر كوبات والطبرزينات في الأكف، والخناجر في الأوساط. ولنا حسن الجلسة على ظهور الخيل. ولنا الأصوات التي تسقط منها الحبالى.
وليس في الأرض صناعة غريبة من أدب وحكمة، وحساب وهندسة، وإيقاع وصنعة، وفقه ورواية، نظرت فيها الخراسانية إلا وبرعت فيها الرؤساء، وبزت فيها العلماء.
Shafi 20
ولنا صنعة السلاح من لبد وركاب ودرع. ولنا مما جعلناه رياضة وتمرينا، وإرهاصا للحرب، وتثقيفا ودربة للمجاولة والمشاولة، وللكر بعد الكر: مثل الدبوق، والنزو على الخيل صغارا، ومثل الطبطاب والصوالجة الكبار، ثم رمى المجثمة، والبرجاس والطائر الخطاف.
فنحن أحق بالأثرة، وأولى بشرف المنزلة.
Shafi 21
ثم قلت: وزعم أن القربة تستحق بالأسباب الثابتة، وبالأرحام الشابكة، وبالقدمة، والطاعة للآباء والعشيرة، وبالشكر النافع، والمديح الكافي بالشعر الموزون الذي يبقى بقاء الدهر، ويلوح ما لاح نجم، وينشد ما أهل بالحج، وما هبت الصبا، وما كان للزيت عاصر، وبالكلام المنثور والقول المأثور. أو بصفة مخرج الدولة والاحتجاج للدعوة، وتقييد المآثر، إذ لم يكن ذلك من عادة العجم، ولا كان يحفظ ذلك معروفا لسوى العرب. ونحن نرتبطها بالشعر المقفى، ونصلها بحفظ الأميين. الذين لا يتكلون على الكتب المدونة، والخطوط المطرسة. ونحن أصحاب التفاخر والتنافر، والتنازع في الشرف، والتحاكم إلى كل حكم مقنع وكاهن سجاع. ولنا التعاير بالمثالب، والتفاخر بالمناقب. ونحن أحفظ لأنسابنا، وأرعى لحقوقنا وتقييدها أيضا بالمنثور المرسل، بعد الموزون المعدل، بلسان أمضى من السنان، وأرهف من السيف الحسام، حتى نذكرهم ما قد درس رسمه، وعفا أثره.
وبين القتال من جهة الرغبة والرهبة فرق، وليس المعرق في الحفاظ كمن هذا فيه حادث. وهذا باب يتقدم فيه التالد القديم الطارف الحديث.
وطلاب الطوائل رجلان: سجستاني وأعرابي. وهل أكثر النقباء إلا من صميم العرب، ومن صليبة النسب، كأبي عبد الحميد قحطبة بن شبيب الطائي، وأبي محمد سليمان بن كثير الخزاعي، وأبي نصر مالك بن الهيثم الخزاعي، وأبي داود خالد بن إبراهيم الذهلي، وكأبي عمرو لاهز بن قريظ المرئي، وأبي عتيبة موسى بن كعب المرئي، وأبي سهل القاسم بن مجاشع المرئي، ومن كان يجري مجرى النقباء ولم يدخل فيهم، مثل مالك بن الطواف المزني.
Shafi 22
وبعد فمن هذا الذي باشر قتل مروان، ومن هزم ابن هبيرة، ومن قتل ابن ضبارة، ومن قتل نباتة بن حنظلة، إلا عرب الدعوة، والصميم من أهل الدولة؟! ومنفتح السند إلا موسى بن كعب، ومن فتح إفريقيا إلا محمد بن الأشعث؟!.
وقلت: وقال: وتقول الموالى: لنا النصيحة الخالصة، والمحبة الراسخة، ونحن موضع الثقة عند الشدة. وعلل المولى من تحت موجبة لمحبة المولى من فوق، لأن شرف مولاه راجع إليه، وكرمه زائد في كرمه، وخموله مسقط لقدره. وبوده أن خصال الكرام كلها اجتمعت فيه؛ لأنه كلما كان مولاه أكبر وأشرف وأظهر، كان هو بها أشرف وأنبل. ومولاك أسلم لك صدرا، وأرد ضميرا، وأقل حسدا.
وبعد فالولاء لحمة كلحمة النسب، فقد صار لنا النسب الذي يصوبه العربي، ولنا الأصل الذي يفتخر به العجمي.
قال: والصبر ضروب، فأكرمها كلها الصبر على إفشاء السر. وللمولى في هذه المكرمة ما ليس لأحد.
ونحن أخص مدخلا، وألطف في الخدمة مسلكا. ولنا مع الطاعة والخدمة والإخلاص وحسن النية، خدمة الأبناء للآباء، والآباء للأجداء، وهم بمواليهم آنس، وبناحيتهم أوثق، وبكفايتهم أسر.
Shafi 23
وقد كان المنصور، ومحمد بن علي، وعلي بن عبد الله، يخصون مواليهم بالمواكلة والبسط والإيناس، لا يبهرجون الأسود لسواده، ولا الدميم لدمامته، ولا الصناعة الدنيئة لدناءتها. ويوصون بحفظهم أكابر أولادهم، ويجعلون لكثير من موتاهم الصلاة على جنائزهم، وذلك بحضرة من العمومة وبني الأعمام والأخوة.
ويتذاكرون إكرام رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد بن حارثة مولاه، حين عقد له يوم مؤتة على جلة بني هاشم، وجعله أمير كل بلدة يطؤها.
ويتذاكرون حبه لأسامة بن زيد، وهو الحب ابن الحب. وعقد له على عظماء المهاجرين وأكابر الأنصار.
ويتذاكرون صنيعه بسائر مواليه، كأبي أنسة، وشقران، وفلان وفلان.
Shafi 24
قالوا: ولنا من رؤوس النقباء أبو منصور مولى خزاعة، وأبو احكم عيسى بن أعين مولى خزاعى، وأبو النجم عمران بن إسماعيل مولى آل أبي معيط. فلنا مناقب الخراسانية، ولنا مناقب الموالى في هذه الدعوة، ونحن منهم وإليهم، ومن أنفسهم، لا يدفع ذلك مسلم ولا ينكره مؤمن، خدمناهم كبارا وحملناهم على عواتقنا صغارا. هذا مع حق الرضاع والخؤولة، والنشوء في الكتاب، والتقلب في تلك العراص التي لم يبلغها إلا كل سعيد الجد، وجيه في الملوك. فقد شاركنا العربي في فخره، والخراساني في مجده، والبنوي في فضله، ثم تفردنا بما لم يشاركونا فيه، ولا سبقونا إليه.
قالوا: ونحن أشكل بالرعية، وأقرب إلى طباع الدهماء؛ وهم بنا آنس وإلينا أسكن، وإلى لقائنا أحن؛ ونحن بهم أرحم، وعليهم أعطف، وبهم أشبه. فمن أحق بالأثرة، وأولى بحسن المنزلة ممن هذه الخصال له، وهذه الخلال فيه.
وقلت وذكرت أن البنوي قال: أنا أصلي خراسان، وهي مخرج الدولة ومطلع الدعوة؛ ومنها نجم هذا القرن، وصبأ هذا الناب، وتفجر هذا الينبوع، واستفاض هذا البحر، حتى ضرب الحق بجرانه، وطبق الآفاق بضيائه، فأبرأ من السقم القديم، وشفى من الداء العضال، وأغنى من العيلة، وبصر من العمى.
Shafi 25