أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ﴾ ١. وأبلغ من هذا ما تقدم من كلام الله تعالى فيهم، فإن الملائكة تقول: ﴿فِيمَ كُنْتُمْ﴾؟ ولم يقولوا: كيف تصديقكم. ﴿قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ﴾ ٢، ولم يقولوا كذبتم مثل "ما يقول الله والملائكة ٣ للمجاهد الذي يقول: جاهدت في سبيلك حتى قُتلت، فيقول الله: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، بل قاتلت ليقال جريء، وكذلك يقولون للعالم والمتصدق: كذبت، بل تعلمت ليقال عالم وتصدقت ليقال جواد" وأما هؤلاء فلم يكذبوهم بل أجابوهم بقولهم: ﴿أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا﴾ ٤؟ ويزيد ذلك إيضاحا للعارف والجاهل الآية التي بعدها وهي قوله تعالى: ﴿إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا﴾ ٥. فهذا أوضح جدا أن هؤلاء خرجوا من الوعيد فلم يبق شبهة، لكن لمن طلب العلم، بخلاف من لم يطلبه، بل قال الله فيهم: ﴿صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ ٦. ومن فهم هذا الموضع والذي قبله فهم كلام الحسن البصري قال:"ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال٧"، وذلك أن الله تعالى يقول: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ ٨.
_________
١ سورة النحل آية: ١٠٦.
٢ سورة النساء آية: ٩٧.
٣ لفظ (والملائكة) من الدرر السنية.
٤ سورة النساء آية: ٩٧.
٥ سورة النساء آية: ٩٨.
٦ سورة البقرة آية: ١٨.
٧ ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان قول الحسن هذا بلفظ: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال من قال حسنا وعمل غير صالح رد الله عليه قوله ومن قال حسنا وعمل صالحا رفعه العمل ذك بأن الله يقول (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) وقال رواه عباس الدوري حدثنا حجاج حدثنا أبو عبيدة الناجي عن الحسن".
٨ سورة فاطر آية: ١٠.
1 / 359