لو قام رجل فادعى أنه يستطيع أن يزاحم المرأة في الولادة والرضاع، لقام في وجهه مكذب من تركيب الجسم ونظام أجهزته وأعضائه، أما صفات الرجولة التي قدمناها فليس لها جهاز خاص ظاهر للنظر أو لعلم التشريح، فلذلك ظنت المرأة أن ادعاءها الحزم وسعة العقل وقوة الطبع أيسر عليها من ادعاء الرجل الاستعداد للحمل والرضاع، مع أن الأمرين بمنزلة واحدة من الصعوبة والاستحالة، وكل ما بينها من الاختلاف أن مزية المرأة في التركيب الجسمي ظاهرة للحس، وأن مزية الرجل لم تظهر بعد في شكل خصوصية جسمانية، على أن هذا لا ينفي أن آثار هذه الخصوصية تظهر في أعمال الرجل ومراميه، وإن لم تظهر أعيانها في أعضائه وجوارحه. هذا إذا كابرنا مكابرة المرأة وقلنا إن الرجل والمرأة فيما عدا الحمل سواء في كل صفة جسمية، ثم جاريناها في القول بأن ما يبدو بينهما من الفروق حتى في هندام الجسم وهيكله الظاهر، إنما هو عبث لا يشير إلى حد طبيعي بين عمليهما في الحياة.
ولقد والله أنصف (أنا كريون) المرأة حيث قال - وهو أسبر الناس لسرها وجهرها، وأخبرهم بحولها وحيلتها: «إن الطبيعة الحكيمة قد وهبت الثيران القرون، والجياد الحوافر، وجعلت للأرانب سوقا دقيقة سابقة تنجو بها، وللأسود نيوبا حديدة قاطعة تمزق بها فرائسها، وقد علمت الأسماك كيف تنفتل في الماء، والأطيار كيف تنجدل في الهواء، والرجل أودعت قلبه الشجاعة والبأس، أما المرأة فلم تجد عليها بشيء من كل ذلك، فبم جادت عليها؟ بالجمال ... الجمال سلاح المرأة ومغفرها، فمن عرفت من النساء كيف تعمل هذه الشكة السابغة، فإياك إياك من سلطانها، فالسيف والنار بعض أعوانها ...»
وليس هذا القول من قبيل المجاز؛ لأن حقيقته محسوسة بارزة للعيان، فالجمال في المرأة كالسيف في يد الرجل، وكثيرا ما صارع الجمال السيف فثلمه وفل حده وأخذ بمقاده، ولا عار في الانهزام أمامه؛ لأن في هذا الانهزام انتصارا للطبيعة، والمهزوم أمام سلاح الطبيعة غير مغلوب. ما بال المرأة جهلت قدر هذا السلاح في هذا الزمان؟ وما بالها تراه لا شيء عندها في جنب قوة الرجل؟ هل يعجب المرأة الجميلة أن تخلع الجمال وهي امرأة لتتقلد السيف؟ إنها لا تستحق حينئذ حب الرجل وهيامه؛ لأنها عدو له يغلبه بسلاحه أو يزاحمه في مفاخره، ولا تثير شغف المرأة وإعجابها، لأن المرأة لا تشغف بامرأة مثلها؛ ألا فلتعلم أن المرأة المترجلة تصول بسلاح غير الذي قلدتها الطبيعة إياه، فهي لا تصل بهذا السلاح الصناعي إلى غرض من أغراض طبيعتها، وهي خاسرة بما لها من مزية على سائر النساء وليست برابحة، فما حظها في هذا الخسران؟
أيتها المرأة، قد أصغر هذا الزمان سلاحك في نظرك، فهل تظنين أنه أنصف الرجل؟ كلا، ما نصيب الرجل من زماننا هذا إلا كنصيبك، وما ظلمك هذا الزمان بشيء إلا بعد أن ظلم الرجل بأضعافه. إن العيوب الاجتماعية التي أصغرت سلاح الرجل الطبيعي في نظره، وجعلت الدينار فوق الأخلاق والمواهب والقوى، هي العيوب التي جعلت المال فوق جمالك وفتنتك، فلا تحسدي الرجل على قسمته ولا تزاحميه في شقوته، بل عاونيه على الرجوع إلى حالة ترغبينه فيها لشجاعته وقدرته ومزاياه، لا لقصوره وضياعه، ويرغبك فيها لجمالك وشمائلك لا لميراثك ورتبة أبيك.
أيتها المرأة، ارجعي إلى أعماق نفسك، هل تجدين نعمة من النعم تسرك كما يسرك الجمال؟ هل تصبين في نفسك إلى غرض أحب إليك من تملك قلب الرجل؟ فبماذا تملكينه؟ أبالعلم والفلسفة والصناعة؟ لا بل بالطبيعة ... بالجمال سلاحك وعدتك، وكل جمال لا يبلغك هذه الأمنية جمال عقيم لا تنتفعين به ولا تغبطك عليه أترابك.
أيتها المرأة، كأنك قلت منذ هنيهة متباهية: أنا أجمل من الرجل ... نعم، أنت أجمل من الرجل في عين الرجل، أما في عين أختك فأقبح رجل أجمل منك وأحب إليها، ولو كنت تمثال الزهرة حسنا وحوراء الجنة شبابا، فلا تظني أنك كنت تتحلين بهذه الحلية لو لم يردها الرجل لك، أليس جمالك الأنثوي هو الثوب الذي أعجب الرجل أن يراه على جسدك قد ألبسك إياه فلبسته؟ وهل أنت التي تحبين هذا الجمال لنفسك أم هو الذي يحبه لنفسه؟ وهل كنت ترين مسحته على وجهك ورواءه على أعضائك، أم هو كان يراه فيختار منه ما يحلو له فيبقى عليك، ويزهد فيما لا يلائمه فيزول منك؟
أيتها المرأة، لا تقفي بثوب العرس تقولين للرجل إن ثوبي أفخر من ثوبك، فإنه هو الذي أهداك إياه، ولو لم يعجبه لما أعجبك!
معشر الأحياء:
قالت المرأة بين أيديكم إن الرجل يظلمها إذ لا يرى لها من المحاسن إلا ما يروقه، فإن كانت المرأة تعد ذلك ظلما، فهو العدل جد العدل في حكم الطبيعة.
نعم، نحن نشنأ المرأة المترجلة، ولكنا لا نشنؤها اتباعا لنزوات الشهوة الطائشة أو التماسا للذة العاجلة، ولو فرضنا أننا نشنؤها لذلك، أفلا يعوزنا أن نعرف لم كانت خصال الأنوثة في المرأة ألذ للرجل وأجلب لاستمتاعه من الترجل وخشونته؟ وما دام الرجال كلهم مجمعين على شناءة المرأة المترجلة، ألا يشير ذلك إلى أن في باطن هذا الهوى سرا فوق إرادة الرجل والمرأة جميعا؟
Shafi da ba'a sani ba