[مقدمة التحقيق]
فهرس الكتاب
تصدير ٥ م مقدمة الناشر أبو عبيدة ٩ م مذهبه ١٠ م شيوخه ١١ م منزلته العلمية ١٢ م ثقافة أبى عبيدة ١٣ م أبو عبيدة فى رأى معاصريه ١٤ م الحس الفنى عند أبى عبيدة ١٥ م تصانيفه ١٦ م مجاز القرآن ١٦ م حول اسم مجاز القرآن ١٧ م معنى المجاز عند أبى عبيدة ١٨ م منهج التفسير عند أبى عبيدة ١٩ م رواية كتاب المجاز ١٩ م الأصول الخطية لكتاب المجاز ٢١ م الصلة بين النسخ ٢٣ م عملنا فى هذا الكتاب ٢٦ م الرموز المستعملة فى مقدمة الكتاب وحواشيه ٢٨ م بيان تفصيلى بالمصادر كما ذكرت فى الحواشي وفى المقدمة مختصرة ٢٩ م
المقدمة / 3
مجاز القرآن صنعة أبى عبيدة معمر بن المثنى التيمي مقدمة المؤلف ١ أم الكتاب (١) ٢٠ سورة البقرة (٢) ٢٨ سورة آل عمران (٣) ٨٦ سورة النساء (٤) ١١٣ سورة المائدة (٥) ١٤٥ سورة الأنعام (٦) ١٨٥ سورة الأعراف (٧) ٢١٠ سورة الأنفال (٨) ٢٤٠ سورة التوبة (٩) ٢٥٢ سورة يونس (١٠) ٢٧٢ سورة هود (١١) ٢٧٥ سورة يوسف (١٢) ٣٠٢ سورة الرعد (١٣) ٣٢٠ سورة إبراهيم (١٤) ٣٣٥ سورة الحجر (١٥) ٣٤٦ سورة النخل (١٦) ٣٦٥ سورة بنى إسرائيل (١٧) ٣٧٥ سورة الكهف (١٨) ٣٩٣
المقدمة / 4
تصدير بقلم العلامة الأستاذ أمين الخولي
أستاذ التفسير والأدب العربي بكلية الآداب بجامعة القاهرة
شروق جديد
يخرج كل ما في هذا الكتاب من «إستانبول» . حتى هذه المقدمة أكتبها فى «إستانبول»، وأنا أطالع من نافذة الفندق قبة «نور عثمانية» ومنارتيها الشامختين وأشاهد فى مغداى ومراحى «كوپريلى» الوديعة بحديقتها الصغيرة، وأرى كلما غرّبت فى المدينة أو شرّقت معقلا من معاقل ذلك التراث الثقافى العتيد.
وخروج «مجاز القرآن» لأبى عبيدة من «إستانبول» على يد فتى تركى جادّ فى دراسة العربية والشئون الإسلامية يؤذن- فيما أرجو- بشروق جديد ...
تتناسى فيه «تركيا» أشياء من الماضي البعيد، وأشياء من الماضي القريب ...
وأود ويود كثيرون غيرى من أبناء الشرق أن نتناسى لها تلك الأشياء، كما نود أن نتناساها معها لنحتفظ ببهجة هذا الشروق الجديد الوضيء ... ومن أجل ذلك لا نسمى هنا شيئا من تلك الأشياء.
و«مجاز القرآن» لأبى عبيدة قد عنى به القدماء تلك العناية التي سترى صفحات الكتاب تفيض بما يعرضه منها الناشر.
المقدمة / 5
و[مجاز القرآن] «لأبى عبيدة» قد عنى به المحدثون، كما يعرف دارسو الآداب فى مصر، من ادعائهم إياه للنحو.. واحتسابهم إياه للبلاغة.. وقيامه فى التفسير مقاما محمودا.
وهذا الكتاب- على كل حال- يعد فى الثقافة الإسلامية من كتب الطليعة الأولى، التي يحفل بها مؤرخو تلك الثقافة، ويرون فى أضوائها طرائق تطور تلك الثقافة، ومسالك نمائها.
وقد ألفه منذ مئات السنين رجل من السابقين الأولين فى خدمة العربية وآدابها.
ومن الاتفاق المحمود أن يتاح نشره اليوم وتحقيقه، لفتى من فتيان الطليعة، فى تلك المحاولة التركية الجديدة، المعنية بالشئون الإسلامية، والآداب العربية.
وكنت على أن أتحدث عن هذا المحقق السيد الدكتور «فؤاد سزكين» ناشر الكتاب وعن جهاده فى إعداد نفسه لهذا العمل، وما تشرب من خير المناهج الحديثة للدرس، مع شخصية قوية، واستقلال رزين، يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال.. ثم أصف خطته وعمله فى تحقيق الكتاب وإخراجه ... لكنى خشيت أن أخجل تواضعه- كما نقول فى مصر-.. وهو فتى جم التواضع، وأنا أوثر أن يدوم له هذا التواضع ليحتفظ دائما بدل العلماء وهديهم.
قرأت هذا الجزء من «مجاز القرآن» قراءة مستوعبة، ودونت ملاحظى عليه، وبينتها للدكتور فؤاد فقبل منها ما قبل، واستدركه وناقش فيما ناقش ... وإن كان غير قليل من هذه الملاحظ تقع التبعة فيه على الطباعة، ولا سيما حين يتباعد ما بين الناشر فى تركيا، والطابع فى القاهرة.
ولكن هذه الملاحظ وغيرها مما قد يجده القارئ لا يمنعنى من أن أقول
المقدمة / 6
- فى طمأنينة- إن الفتى المحقق سليم المنهج فى أساسه، يدرك أصول التحقيق العلمي للنص إدراكا جيدا.
كما أحب أن أشير إلى صبره الطويل فى تتبع شواهد أبى عبيدة فى مجازه ويدلك على مواضعها فى المراجع المختلفة وهو تتبع لم يكن من التكثر والتزيد، بل هو تتبع كان له الأثر الحسن فى تصويب خطأ لأبى عبيدة ومن تبعه، كما ترى ذلك فى الصفحات ١٠٥، ١١٨، ٢٤٢ ... فكان ذلك التتبع منه دقة طيبة جاوزت عمل محقق النص وناشره، إلى عمل الدارس للكتاب درسا موضوعيا..
فحين أسلمك النص بما له وما عليه، أعلمك كذلك موضع هذا النص عند القدماء، وتأثرهم به.
وعمل الدكتور فؤاد فى «مجاز القرآن» قد ساعده عليه صبره الطويل كذلك فى دراسة مصادر «البخاري»، ذلك الدرس الذي عرفت شيئا عنه وأرجو أن ينشر فى العربية ليكون كذلك مثلا صالحا من جد الشبان المرجوّين لحمل العبء، وملء الميدان.. وهو مثل من خدمة العرب الخلص فى دراسة العربية والشئون الإسلامية فإذا ما كان من فتى تركى، فإنه لجدير بأن يفتح أمامى آفاق الأمل، فى الشروق الجديد، الذي رجوته لتركيا؟
أمين الخولي إستانبول فى صفر سنة ١٣٧٤ هـ اكتوبر سنة ١٩٥٤ م
المقدمة / 7
مقدمة
أبو عبيدة
هو معمر بن المثنى التيمي تيم قريش، «١» أو تيم بنى مرّة «٢» على خلاف بينهم، وهو على القولين معا مولى لتيم وقد اختلفوا فى مولده، ولعل الأقرب إلى الصحة أنه ولد فى سنة ١١٠ هـ وهى سنة وفاة الحسن البصري كما يدل عليه حديث له مع الأمير جعفر بن سليمان حيث سأله عن مولده فأحاله على قول لعمر بن أبى ربيعة الذي ولد يوم مات عمر بن الخطاب «٣»، وتتحدث المراجع عن آباء أبى عبيدة، فتقول- استنادا إلى قول يرويه أبو العيناء عن أبى عبيدة- إنه يهودىّ الأصل «٤»، على أننا نظن أن أبا عبيدة فى حديثه عن آبائه لم يكن يقصد إلى الجدّ، وجوّ هذا الحديث يشعر بهذا الذي نظنه، غير أن شعوبية أبى عبيدة «٥»، وحدته فى نقد معاصريه كل ذلك جعل خصومه يحملون هذا القول منه محمل الجدّ لينالوا منه، أما أنه كان يفتخر بيهوديته وهو ما يراه بعض الباحثين الغربيين «٦» فبناء على غير أساس، ثم هو بعد غير مفهوم من نص أبى عبيدة الذي يرويه أبو العيناء.
ولم تذكر المراجع أين ولد أبو عبيدة، ومع ذلك فهى تضعه فى عداد علماء
_________
(١) أخبار النحويين للسيرافى ٦٧، مختار أخبار النحويين ١٥٠، ا، الزبيدي ص ١٢٢.
(٢) منتخب المقتبس ٥٧ ب.
(٣) ابن خلكان ٢/ ١٥٨- ١٥٩.
(٤) الفهرست ٥٣، ابن خلكان ٢/ ١٥٧، الإرشاد ١٩/ ١٥٦.
(٥) رسائل البلغاء ٢٧١- ٢٧٢، مروج الذهب ٥/ ٤٨٠.
(٦) جولد زيهر.. ١/ ٢٠٣ وانظر مجالس ثعلب ٤٢٤، الأغانى ١٧/ ١٩.
المقدمة / 9
البصرة فلعله ولديها، بعد حياة ليست قصيرة اكتمل فيها نضجه العلمي ارتحل إلى بغداد فى سنة ثمانية وثمانين ومائة حيث جالس الفضل بن الربيع وجعفر ابن يحيى وسمعا منه «١» .
ثم يقول مترجموه: إنه خرج إلى بلاد فارس قاصدا موسى بن عبد الرحمن الهلالىّ، ولم يحددوا سنة خروجه «٢» .
وفيما بين سنتى ٢٠٩، و٢١٣ توفى «٣» وقد عمّر، وكان وقد بلغ من الكبر المدى- يتمثل بقول الطمحان القينى «٤» .
حنتنى حانيات الدهر حتّى ... كأنى خاتل يدنو لصيد
قريب الخطو يحسب من رآنى ... - ولست مقيّدا- أنى بقيد
ولم يحضر جنازته- فيما يقول مؤرخوه- أحد لأنه كان شديد النقد لمعاصريه» .
مذهبه
تكاد تتفق كلمتهم على أن أبا عبيدة كان من الخوارج، وأنه كان يكتم ذلك ولا يعلنه، ثم اختلفت رواياتهم فى الفرقة التي كان ينتمى إليها فبعضهم يقول إنه
_________
(١) تاريخ بغداد ١٣/ ٢٥٤. الإرشاد ١٩/ ١٥٩ الأغانى ٥/ ١٠٧- ١٠٨، الزبيدي ص ١٢٤.
(٢) الزبيدي ص ١٢٤، ابن خلكان ٢/ ١٥٧.
(٣) مختار اخبار النحويين ١٦٤ ب.
(٤) الزبيدي ص ١٢٦، وانظر المعمرين رقم ٥٣، الأغانى ١١/ ١٢٤.
(٥) ابن خلكان ٢/ ١٥٧.
المقدمة / 10
كان صفريا «١»، على حين أن البعض الآخر منهم يرى أنه كان من الأباضية «٢» واستدلوا على انتسابه إلى مذهب الخوارج بأنه كان كثيرا ما ينشد أشعارهم ويفيض فى الحديث عنهم وعن أخبارهم ومفاخرهم- يفعل ذلك فى تقدير لهم وإعجاب بهم «٣» ثم نسبوه بعد إلى القول بالقدر، وربما كان سبب ذلك أنه كان يمدح النّظام ويعظم شأنه «٤»، ولكن أبا حاتم كان يبرئه من القدر وينفيه عنه «٥» .
ونسبة أبى عبيدة إلى مذهب الخوارج تارة، وإلى القول بالقدر تارة أخرى تكشف عن صلته بمعاصريه وتدل على أنه لم يكن محبوبا بينهم، ولعل فى نسبة آبائه إلى اليهودية- وهي مسألة مرت الإشارة إليها- ما يدل على هذا أيضا.
على أنه ليس فى كتاب المجاز ما يدل على هذه الميول.
شيوخه:
أخذ عن أبى عمرو بن العلاء «٦» (- ١٥٤) النحو والشعر والغريب، وفى «مجاز القرآن» أثر أبى عمرو الواضح على أبى عبيدة.. وعن أبى الخطاب الأخفش، «٧» (- ١٤٩) . وعيسى بن عمر الثقفي «٨» (- ١٥٤)، ولازم يونس بن حبيب
_________
(١) مقالات الاسلاميين ١/ ١٢٠.
(٢) جولد زيهر.. ١/ ١٩٧.
(٣) مقالات الإسلاميين ١/ ١٢٠، منتخب المقتبس ١٥٩ ا، ابن خلكان ٢/ ١٥٧، ١٥٨. [.....]
(٤) الحيوان ٣/ ٤٧١ و٧/ ١٦٥.
(٥) الزبيدي ص ١٢٤.
(٦) المزهر ٢/ ٤٠١- ٤٠٢.
(٧) الحيوان ١/ ١٧٧.
(٨) المزهر ٢/ ٤٠١- ٤٠٢.
المقدمة / 11
(- ١٨٧) زمنا طويلا وكتب عنه «١»، وروى عن هشام بن عروة «٢»، ووكيع بن الجراح «٣» (- ١٩٧)، كما أخذ عن جماعة من فصحاء الأعراب وثقاتهم مثل أبى سوار الغنوي «٤»، وأبى محمد عبد الله بن سعيد الأموى «٥»، وأبى عمرو الهذلي «٦»، ومنتجع بن نبهان العدوى «٧»، وأبى منيع الكليبى «٨»، وكان يسأل رؤبة بن العجاج أحيانا، كما نجد ذلك فى مواضع متعددة من «المجاز» «٩» .
منزلته العلمية
يقول الجاحظ: «لم يكن فى الأرض خارجى ولا جماعى أعلم بجميع العلوم من أبى عبيدة «١٠»»، وكان له إلى هذه السعة فى العلم نفاذ وعمق يتمثلان فى قولهم عنه:
«إنه كان ما يفتّش عن علم من العلوم إلا كان من يفتشه عنه يظن أنه لا يحسن غيره، ولا يقوم بشىء أجود من قيامه به «١١»» .
_________
(١) ابن خلكان ١/ ٦٢٠.
(٢) تاريخ بغداد ١٣/ ٢٥٢.
(٣) كتاب الخيل لأبى عبيدة ص ٤.
(٤) الفهرست ص ٤٥.
(٥) الزبيدي ص ١٢٤.
(٦) مجاز القرآن فى مواضع متعددة.
(٧) مجاز القرآن ١/ ٤٠٠ النقائض ٤٨٧.
(٨) النقائض ٣٠.
(٩) وانظر الجمهرة ٣/ ٣٥، الإتقان ١/ ١٩٦. [.....]
(١٠) البيان والتبيين ١/ ٣٣١، وانظر.. ١/ ١٩٦.
(١١) الإرشاد ١٩/ ١٥٥.
المقدمة / 12
وقد عاصر من علماء اللغة الأصمعىّ (- ٢١٦)، وأبا زيد (- ٢١٤)، وكان بينهم من الخلاف ما يكون بين المتعاصرين، ولكنّ خلافهم هذا لم يصل إلى الريبة فى الثقة بما يرويه كل واحد منهم «١»، أو إلى الأنفة من الاعتراف بالحق لصاحبه حين يبدو وجه هذا الحق «٢» . ذلك لأنهم لم يكونوا يختلقون ولا يتزيدون.
ومن هنا نرى شذوذ قول بعض الباحثين الغربيين: إن أبا عبيدة كان حين يضيق علمه يختلق ما يفيده فى نزعته «٣» وكان الرواة والآخذون عنهم يرجّحون أبا عبيدة إذا قاسوه بصاحبيه أو بأحدهما «٤»، على ما ساءت عبارته وحسنت عبارة الأصمعى التي هيأت له أن يفوز على أبى عبيدة فى مواقف يذكرها الرواة «٥»، ولعل ملحظهم فى هذا التفضيل أن أبا عبيدة كان له- إلى غزارة العلم- مرونة وحرية فى فهم اللغة لم تكن عند الأصمعى وأبى زيد «٦»، على أن أبا عبيدة وأبا زيد كانا يتفقان فى كثير من مسائل اللغة «٧» .
ثقافة أبى عبيدة:
كان أبو عبيدة من المعمّرين، وفى عهده وضعت أسس العلوم الإسلامية على ما اختلفت نواحيها من تفسير وحديث وفقه وأخبار، وكان أبو عبيدة يشارك فى
_________
(١) مراتب النحويين ٨٠، المزهر ٢/ ٤٠٤.
(٢) مختار أخبار النحويين ٢٠٩ ا.
(٣) جولد زيهر. ١/ ٢٠٢.
وقد أحال على أنساب الأشراف ص ١٧٢.
(٤) المزهر ٢/ ٤٠٢ وأنظر ابن خلكان ٢/ ١٥٦.
(٥) تاريخ بغداد ١٣/ ٢٥٦، الإرشاد ١٩/ ١٦٠.
(٦) المزهر ٢/ ٤٠٢.
(٧) جمهرة ابن دريد ٣/ ٤٢٤.
المقدمة / 13
أنواع هذه الثقافة مشاركة جيدة «١»، ومن هذا تعددت كتبه وموضوعاته فيها، ونستطيع أن نتبين فى كتبه جوانب من هذه الثقافة فهى لغوية بما فيها من تفسير وحديث وغريب، وهى تاريخية تتناول مواضيع فى تاريخ العرب وعاداتهم فى جاهليتهم «٢» أحيانا وفى إسلامهم أحيانا أخرى «٣»، وقد تتجاوز ثقافته هذه الأمة العربية إلى عادات وأخبار لغير العرب «٤» .
أبو عبيدة في رأى معاصريه
على أن سعة معارف أبى عبيدة ونفاذه فيها لم تسم به إلى حيث تحول دون أن يصله النقد من معاصريه فى حياته، ومن تابعيهم بعد وفاته، وقد كانت شعوبيته- وهى الموقف الذي يتخذ فيه أبو عبيدة صفة المعادى أو المناوئ للعرب- مدخلا تسرب منه إليه الكثير من النقد الذي لم يؤاخذ به غيره فإذا ما أردنا أن نعرف بعض الأمثلة لهذا كان من ذلك أنه لا يقيم البيت من الشعر إذا أنشده حتى يكسره، وأنه كان يخطىء إذا قرأ القرآن نظرا «٥»، وأنه يلحن فى قراءة الشعر- إلى أشباه لهذا «٦» .
وليس هناك شك فى أن أبا عبيدة كان يلحن حين يتحدث، فالحديث اليومي العادىّ أيام أبى عبيدة لم يكن من سلامة البنية بحيث يلتزم فيه الإعراب، وشأن أبى عبيدة
_________
(١) البيان والتبيين ١/ ٣٠٨، مراتب النحويين ٨٠.
(٢) منتخب المقتبس ٥٨ ا. المزهر ٢/ ٤٠٢. وأنظر النقائض، العقد الفريد ٢/ ٥٣ فهرست، ٥٣/ ٥٤ جولد زيهر.. ١/ ١٩٥.
(٣) انظر كتب أبى عبيدة.
(٤) مروج الذهب ٢/ ٢٣٨ جولد زيهر.. ١/ ١٩٨ تاريخ دمشق ١/ ١٢.
(٥) المعارف لابن قتيبة ١٨٤، ابن خلكان ٢/ ١٥٥. الإرشاد ١٩/ ١٥٦. [.....]
(٦) الإرشاد ١٩/ ١٥٧، النوادر لابى زيد ٥١، الزبيدي ص ١٢٦.
المقدمة / 14
فى هذا شأن غيره من المتحدثين الذين كانوا يكرهون التزام الإعراب وسلوك سبيل «التقعير» فى حديثهم العادىّ. وأما أنه كان لا يقيم البيت من الشعر، وأنه كان يلحن فمردّه فيما نرى ضعف الملكة التطبيقية عند أبى عبيدة، وهو أمر مألوف غير غريب حين تتسع الفروق وتعظم بين لغة الحياة اليومية ولغة العلم والأدب، أما ما رآه أبو عبيدة من آراء نحوية وخالفه فيها النّحاة وخطّأوه فهو الأمر الذي يجب أن يكون له محمل يليق بمكانة أبى عبيدة العلامية.
والذي نرجو أن يكون صوابا فى مسلك أبى عبيدة أنه كان يعتمد على حسه اللغوي الخاص فى إعراب آيات أو أشعار بدون أن يقدر ما كانت تؤسسه المدرسة النحوية فى عهده من قواعد تلتزم السير عليها ولا تتعداها، ومن هنا جاء نكيرهم عليه.
على أن اتجاه أبى عبيدة الذي انصرف فيه- قاصدا أو غير قاصد- عن مسلك النحويين من معاصريه لم يعدم تقديرا من الدّارسين المعاصرين الذين يعنون بتاريخ النحو العربىّ فأبو عبيدة التفت إلى أبواب من سر العربية حال دون الاستفادة منها مسلك النحاة بما أحكموا من قواعد وأسسوا من أسس «١» .
الحس الفنى عند أبى عبيدة
ويتصل بهذا أن أبا عبيدة لم يكن راوية وأخباريا جافا «٢» وحسب، وإنما كان- إلى وفرة محصوله العلمي- يدرك ما فى اللغة والشعر من جمال فنى، ويقف عنده، ويقارن الصور الشعرية بعضها ببعض، ثم ينبه على المعاني الجديدة الخاصة بكل شاعر «٣»، وفى التراث الأدبى العظيم الذي خلّفه لنا أدلة واضحة على هذا.
_________
(١) إحياء النحو لابراهيم مصطفى ص ١٢.
(٢) العقد الفريد (بولاق) ١/ ٣٣٣. جولد زيهر. ١/ ١٩٥.
(٣) الشعراء ص ٧٦، ٨٢، ١١٩، الأغاني ٢/ ٤٤، ٢١/ ١٣٧.
المقدمة / 15
تصائيفه:
نقل الرواة أن تصانيف أبى عبيدة كانت تقارب المائتين «١»، ولكن أغلبها لم يصل إلينا إلا عن طريق ذكره فى المصادر التي تحدثت عن أبى عبيدة فقد ذكر ابن النديم له مائة وخمسة، وورد فى كتب أخرى ما لم يذكره ابن النديم منها.
وقد كنت أعددت لائحة بكتبه مرتبة على حروف المعجم، وأشرت إلى من ذكرها ولكنى رأيت مؤخرا أنها محتاجة إلى شىء غير قليل من التثبت والدرس والمقارنة فأرجأت ذكرها لآخر الجزء الثاني.
مجاز القرآن
يذكر المؤرخون أن ابراهيم بن إسماعيل الكاتب أحد كتّاب الفضل ابن الربيع سأل أبا عبيدة عن معنى آية من القرآن فأجاب عن السؤال واعتزم أن يؤلف مجاز القرآن «٢» . ومهما كان الداعي إلى تأليف هذا الكتاب فقد كان أبو عبيدة يرى أن القرآن نص عربى، وأن الذين سمعوه من الرسول ومن الصحابة لم يحتاجوا فى فهمه إلى السؤال عن معانيه لأنهم كانوا فى غنى عن السؤال ما دام القرآن جاريا على سنن العرب فى أحاديثهم ومحاوراتهم، ومادام يحمل كل خصائص الكلام العربي من زيادة وحذف وإضمار واختصار وتقديم وتأخير «٣» .
ومن هنا فسر القرآن وعمدته الأولى الفقه بالعربية وأساليبها واستعمالاتها والنفاذ إلى خصائص التعبير فيها، ولما كان هذا الاتجاه لا يبعد كثيرا عن «تفسير القرآن بالرأى» وهو الأمر الذي كان يتحاشاه كثير من المعاصرين له من اللغويين المحافظين فقد تعرض مسلك أبى عبيدة هذا لكثير من النقد «٤»
_________
(١) ابن خلكان ٢/ ١٥٦، الإرشاد ١٩/ ١٦٢.
(٢) ابن خلكان ٢/ ١٥٥، تاريخ بغداد ١٣/ ٢٥٤، الإرشاد ١٩/ ١٥٨.
(٣) مجاز القرآن ص ٨.
(٤) تاريخ بغداد ١٣/ ١، ٢٥٥، الإرشاد ١٩/ ١٥٩ الزبيدي ١٢٥.
المقدمة / 16
فأثار الفراء (- ٢١١) الذي تمنى أن يضرب أبا عبيدة لمسلكه فى تفسير القرآن «١»، وأغضب الأصمعىّ «٢»، ورأى أبو حاتم أنه لا تحل كتابة «المجاز» ولا قراءته إلا لمن يصحح خطأه ويبينه ويغيّره «٣»، وكذلك كان موقف الزجاج، والنحاس، والأزهريّ منه.
وقد عنى بنقد أبى عبيدة على بن حمزة البصري المتوفى سنة ٣٧٥ فى كتابه:
«التنبيهات على أغاليط الرواة»، ولكن القسم الخاص بنقد أبى عبيدة غير موجود فى نسخة القاهرة «٤» . ولهذا لا نستطيع أن نقول شيئا عن قيمة هذا النقد.
على أن «مجاز القرآن» على الرغم من الذي سدد إليه من نقد ظل بين الدارسين مرجعا أصيلا طوال العصور فقد اعتمد عليه ابن قتيبة (- ٢٧٦) فى كتابيه «المشكل» و«الغريب»، والبخاري (- ٢٥٥) فى «الصحيح»، ويحتاج الأمر فى استفادة البخاري خاصة من مجاز القرآن إلى بيان وتفصيل أرجأت القول فيه إلى مكان آخر حيث اختصصته بدرس مفصل، وكذلك اعتمد عليه الطبري (- ٣١٠) فى تفسيره وأكثر من مناقشته ومقارنة رأيه بآراء أهل التأويل والعلم، وقد ذكرت فى حواشى «المجاز» اعتراضاته على أبى عبيدة، واستفاد منه أبو عبد الله اليزيدي (- ٣١١) «٥»، والزجاج (- ٣١١) فى معانيه، وابن دريد (- ٣٢١) فى «الجمهرة» وأبو بكر السجستاني (- ٣٣٠) فى «غريبه» وابن النحاس (- ٣٣٣) فى معانى القرآن، والأزهرى (- ٣٧٠) فى التهذيب وأبو على الفارسي فى الحجة (- ٣٧٧)، والجوهري (- ٣٩١) فى الصحاح وأبو عبيد الهروي (- ٤٠٢) فى الغريبين، وابن برى (- ٥٨٢) فى حواشى الصحاح وغيرهم من المتقدمين، ومن أهم من استفاد من كتاب المجاز من المتأخرين ابن حجر العسقلاني فى «فتح الباري» .
حول اسم مجاز القرآن
ذكر ابن النديم كتبا لأبى عبيدة تتصل بالقرآن: «مجاز القرآن»،
_________
(١) تاريخ بغداد ١٣/ ٢٥٥.
(٢) مختار أخبار النحويين ١١١ ب- ١١٣ ا.
أخبار النحويين ٦١- ٦٢.
(٣) الزبيدي ص ١٢٥- ١٢٦.
(٤) الفهرس الجديد ٢/ ٩.
(٥) فى كتابه «غريب القرآن»، ومنه نسخة محفوظة فى مكتبة كوپريلى رقم ٢٠٥.
المقدمة / 17
و«غريب القرآن»، و«معانى القرآن» ثم «إعراب القرآن»، وكذلك صنع من جاء بعد ابن النديم. وهذا الصنيع يفهم منه أن هناك كتبا متعددة لأبى عبيدة فى هذا الموضوع، وهنا يأتى السؤال الآتي: هل ألف أبو عبيدة كتبا بهذه الأسماء؟
أو هى أسماء متعددة والمسمّى واحد هو هذا الذي بين أيدينا الآن وهو «مجاز القرآن»؟
والذي نظنه أن ليس هناك لأبى عبيدة غير كتاب «المجاز»، وأن هذه الأسماء، أخذت من الموضوعات التي تناولها «المجاز» فهو يتكلم فى معانى القرآن، ويفسّر غريبه وفى أثناء هذا يعرض لإعرابه. ويشرح أوجه تعبيره وذلك ما عبّر عنه أبو عبيدة بمجاز القرآن فكلّ سمّى الكتاب بحسب أوضح الجوانب التي تولّى الكتاب تناولها، ولفتت نظره أكثر من غيرها. ولعل ابن النديم لم ير الكتاب، وسمع هذه الأسماء من أشخاص متعددين فذكر لأبى عبيدة فى موضوع القرآن هذه الكتب المختلفة الأسماء.
على أننا حين نذهب إلى هذا نستند إلى نصين يثبتانه فهناك عالمان من علماء الغرب الإسلامى يصرحان بالذي نظنه ففى طبقات النحويين للزبيدى:
«... سألت أبا حاتم عن غريب القرآن لأبى عبيدة الذي يقال له المجاز «١»»، وفي فهرس ابن خير الإشبيلي: «... وأول كتاب جمع فى غريب القرآن ومعانيه كتاب أبى عبيدة معمر بن المثنى وهو كتاب المجاز «٢»» .
على أن نسخ «المجاز» تحمل هذا الاضطراب فى اسم الكتاب ففى نسخة إسماعيل صائب نجد العنوان: «كتاب مجاز القرآن» فى أول الجزء الأول، وفى آخره: «النصف الأخير من كتاب غريب القرآن» . وفى نسخة مراد منلا يوجد عنوان الكتاب هكذا: «كتاب المجاز لتفسير غريب القرآن»، وتشبهها عبارة الختام فى نسخة تونس.
معنى «المجاز» عند أبى عبيدة
ومهما كان الأمر فإن أبا عبيدة يستعمل فى تفسيره للآيات هذه الكلمات:
«مجازه كذا»، و«تفسيره كذا»، و«معناه كذا»، و«غريبه»،
_________
(١) ص ١٢٥. [.....]
(٢) فهرست ابن خير ص ١٣٤.
المقدمة / 18
و«تقديره»، و«تأويله» على أن معانيها واحدة أو تكاد، ومعنى هذا أن كلمة «المجاز» عنده عبارة عن الطرق التي يسلكها القرآن فى تعبيراته، وهذا المعنى أعم بطبيعة الحال من المعنى الذي حدده علماء البلاغة لكلمة «المجاز» فيما بعد «١»، ولعل ابن قتيبة قد تأثر فى كتابه «مشكل القرآن» بأبى عبيدة فى استخدام كلمة المجاز بهذا المعنى العام «٢» .
منهج التفسير عند أبى عبيدة
مرت الإشارة فى مواطن متعددة من هذه الكلمة إلى جوانب من شخصية أبى عبيدة كانت تميزه عن معاصريه، وتتجه به فى فهم النصوص اتجاها خاصا، وبتلك الإشارات نستغنى عن إعادة الحديث فى حريته فى فهم النصوص، وسعة ثقافته ونظرته إلى نص القرآن إلخ. ولكننا نضيف هنا أن مما يمتاز به أبو عبيدة فى تفسيره أنه لم يتقيد بالقيود التي كانت المدرستان البصرية والكوفية تضعانها لفهم النصوص العربية، لأن هاتين المدرستين كانت فى دور التكوين، وبهذا نجا أبو عبيدة من أن يخضع لقواعدهما. وقد عنى- فى ضوء هذا التحرر- بالناحية اللغوية فى القرآن، وأكثر من الاستشهاد على الآيات بالشعر العربي، وعنايته بالجانب اللغوي صرفته عن الاشتغال بالقصص القرآنى وتفصيل القول فيه، كما صرفته عن تتبع أسباب النزول إلا عند ما كان يقتضى فهم النص التعرض لذلك.
رواية كتاب المجاز
وكان حظ المجاز من رواية الناس غير قليل فقد رواه جماعة من الناس، وليس من اليسير تحديد عدد الروايات، ولكن المراجع احتفظت بطائفة منها نجملها فيما يلى:
١- رواية أبى الحسن على بن المغيرة الأثرم (- ٢٣٢) ٢- رواية أبى حاتم السجستاني (- ٢٥٦) ٣- رواية رفيع بن سلمة.
_________
(١) فتح الباري ٨/ ٤٢٥. عمدة القاري ٩/ ١٢٥. إرشاد الساري ٧/ ٣٠٩.
(٢) مشكل القرآن ٧ ب، ٣٥ ب. القرطين ٢/ ١٠٩، وانظر «المجاز» ص ٤١.
المقدمة / 19
٤- رواية عبد الله بن محمد التوزى (- ٢٣٢) ٥- رواية أبى جعفر المصادرى.
ولم يصل إلينا من هذه الروايات إلا رواية الأثرم، وقد تفرعت إلى فروع ثلاثة حسب الرواة عن الأثرم، فالفرع الأول هو رواية أبى الحسن على بن عبد العزيز (- ٢٨٧) «١»، والفرع الثاني رواية أبى محمد ثابت بن أبى ثابت عبد العزيز «٢»، والفرع الثالث رواية أبى العباس أحمد بن يحيى ثعلب (- ٢٩٦)، وقد وصلت إلينا الروايتان الأوليان عن الأثرم فالنسخ (،،،) كلها من رواية على بن عبد العزيز عن الأثرم ونسخة () من رواية ثابت بن أبى ثابت.
أما رواية ثعلب فلا نعرفها إلا عن طريق ما روى عنه فى الكتب «٣»، ويظهر أن الطبري كانت تحت يده روايات متعددة للكتاب «٤» أما رواية أبى حاتم والتي رواها أبو سعيد السكرى عنه- فنعرفها عن طريق ابن خير حيث ذكر فى فهرس ما رواه عن شيوخه «٥»، كما نعرفها أيضا عن التعليقات الواردة فى حواشى الجزء الثاني من كتاب المجاز فى نسخة () . وقد ذكرها ابن حجر فى «المعجم المفهرس» له «٦» .
وأما رواية رفيع بن سلمة فقد جاء ذكرها فى مقدمة كتاب «الكشف والبيان» حين حديث المؤلف عن مصادره التي استمدّ منها «٧»، وقد أشار إليها السيوطي فى شرح شواهد المغني أيضا «٨» .
وقد ذكر أبو على الفارسي فى الحجة رواية أبى محمد التوزى «٩»، ولعلها طريقة المبرد لرواية كتاب المجاز حيث إنه ينقل عن التوزى فى الكامل، على أن المبرد يروى الجزء الثاني من كتاب «المجاز» من نسخة () .
_________
(١) ترجمته فى الإرشاد ١٣/ ١٠٤.
(٢) الإرشاد ٧/ ١٤١.
(٣) تهذيب اللغة للازهرى (كوپريلى محمد باشا رقم ١٥٢٦) ١٠٢ ب، فهرس ابن خير ص ٦٠.
(٤) تفسير الطبري ١٣/ ٧٥.
(٥) فهرس ابن خير ص ٦٠.
(٦) المعجم المفهرس ٦٢ غير أنه أشار إلى رواية الأثرم فى فتح الباري ٦/ ٣٠٨، ٨/ ٥٣٠.
(٧) نسخة جامعة إستانبول ١/ ٦ ا.
(٨) ص ٣٢٧.
(٩) الحجة (شهيد على) ٤/ ٦٢ ب.
المقدمة / 20
وأشار ابن حجر فى «الفتح» إلى أن رواية أبى جعفر المصادرى (وهو شخص لم أهتد إلى معرفة أي شىء عنه) كانت عند البخاري «١» .
الأصول الخطية لكتاب المجاز
حين عزمت على تحقيق كتاب مجاز القرآن كموضوع للحصول على درجة الدكتوراة لم يكن بين يدى من أصوله إلا نسخة إسماعيل صائب () وهى على قيمتها وقدمها لا تكفى لاقامة نص الكتاب لما بها من نقص وانطماس ومحو فى كلماتها ولذلك لزمنى البحث عن غيرها من الأصول فاستحضرت الجزء المحفوظ بدار الكتب المصرية منها، ونسخة من جامعة القاهرة بمصر المصورة عن المخطوطة المحفوظة بمكة المكرمة، ثم حصلت على صورة من نسخة تونس، وأخيرا على نسخة مراد منلا وهى قيمة وقديمة، وبذلك أصبح لدى من أصول كتاب «المجاز» ما استطعت معه أن أجرؤ على إخراجه.
(ا) نسخة مرادمنلا [رقم ٢٠٦- ١٩٢ ق- ١٥- ١٨ س- ٢ ر ٢٤ ١٦ سم] أشرت إليها بحرف ()، ويرجع تاريخ كتابتها إلى أواخر القرن الرابع فيما أظن، وخطها نسخ جميل، وقد عنى الناسخ بضبط بعض الكلمات التي رأى أنها محتاجة إلى الضبط، ولم يكن مصيبا فى هذا الضبط أحيانا، وخط أوائل السور يشبه الخط الكوفي، واسم الناسخ عمر بن يوسف بن محمد المكتب.
وقد قوبلت هذه النسخة وقرئت، وقد ورد فى الورقتين ١٠٧ ا، ١٩٢ اعبارة السماع والمقابلة وكتب السماع شخص اسمه «محمد بن مروان» .
وقد ألصقت على ظهر الورقة الأولى ورقة خفى بها اسم الكتاب، وكتب بعد:
«كتاب المجاز فى تفسير غريب القرآن عن أبى عبيدة معمر بن المثنى» وقد اعتبرت هذه النسخة أصلا على الرغم من احتوائها على أخطاء، ومن أن التفسير فيها لا يتبع أحيانا ترتيب الآيات كما وردت فى المصحف.
_________
(١) فتح الباري ٨/ ٣٣٩، ٣٤٠.
المقدمة / 21
نسخة إسماعيل صائب [رقم ٤٧٥٤- ١٣٠ ق- ١٦- ١٩ س- ٥/ ٢٦ ٥/ ١٥ سمم] رمزها فى الحواشي () وخطها نسخ جميل مشكول، ولم يذكر ناسخها، ولا تاريخ نسخها وهى من مخطوطات القرن الرابع أيضا. مجزأة إلى جزئين فى مجلدة، الأول ينتهى بنهاية النصف الأول من القرآن فى الورقة ٦١، ثم الجزء الثاني وينتهى بتفسير الآية: «فكانوا كهشيم المحتضر» من سورة القمر.
وقد كتب اسم الكتاب، والمؤلف، والراوي للكتاب وقت كتابة هذا العنوان على ظهر الورقة الأولى منها. ثم إلى يمين عنوان الكتاب تملكات، وأحدها يدل على أن النسخة كانت بالقسطنطينية فى سنة ٩٨٠ هـ. ثم كتب أيضا سماع لهذه النسخة.
نسخة مكة: [٦٠٥٩ «١» - ٢١٠ ق- ١٤- ١٧ س- ٢٤ ١٨ سم] الإشارة إليها بحرف () فى الحواشي، وتنقص من أولها نحو عشرين ورقة، كما تنقص من آخرها، وأول الموجود منها فى تفسير الآية: «ما ننسخ من آية أو ننسها» من سورة البقرة: من النسيان ومن همزها جعلها من: نؤخرها» . وتنتهى بقوله تعالى «ويقولوا سحر مستمر» من أول سورة القمر، وهى توافق فى انتهائها تقريبا نسخة () التي تزيد ببضع آيات، وخط النسخة عادى وغير واضح ولم يعتن فيه بإعجام الحروف، والشكل فيها نادر، وليست مؤرخة ولعلها من مخطوطات القرن السادس، وقد أدخل الناسخ بعض الأسماء الأجنبية عن النص فى صلب النص أو لعله نقل ما وجده فى الأصل الذي نسخ عنه، ومهما كان فهذا من الأمثلة على قيمة هذه النسخة ودرجة العناية بها.
نسخة تونس [٥٥٩ تفسير- ١٠٧ ق- ٢٤- ٢٥ س- ٢٢ ١٥ سم] رمزها عند الإشارة إليها فى الحواشي حرف () وخطها نسخ، وتاريخ
_________
(١) هذا هو رقم النسخة فى مكتبة جامعة القاهرة. [.....]
المقدمة / 22
كتابتها سنة ١٠٢٩، وفى آخرها: «تم كتاب المجاز فى تفسير غريب القرآن عن أبى عبيدة معمر بن المثنى» .
نسخة دار الكتب: [٥٨٦ تفسير- ٢٩ ق- ٢٤ س] رمزها فى الحواشي () وهى عبارة عن ربع الكتاب من أوله، وقد نقلت عن نسخة تونس فى سنة ١٣١٩ هـ، وخطها مغربىّ.
الصلة بين النسخ
ولم يكن الحصول على أصول متعددة كافيا لإخراج الكتاب كما كنت أتوقع، بل أوجد العثور عليها صعوبات مختلفة أصبح من العسير التغلب عليها فكل نسخة من هذه الأصول لها مشاكلها الخاصة بها، ولهذا كان أول الواجبات فى هذا السبيل أن نعرف أوجه القرابة التي بين هذه الأصول فبذلك وحده نستطيع الاتجاه فى عملنا هذا على هدى وبصيرة.
جاء فى أول النسخة ()، وهى رواية ثابت بن أبى ثابت عن الأثرم عن أبى عبيدة أن هذه الرواية قرأها الأثرم على أبى عبيدة مرتين، وقرأها أبو عبيدة على الأثرم مرة. ومعنى هذا أن هناك أصلا له بأبى عبيدة هذه الصلة الوثيقة، وأن نسخة () هذه لها بهذا الأصل صلة. ولو أن هذا كان مطابقا للنتائج التي أوصلتنا إليها دراستنا لهذه النسخة لكانت ثقتنا بهذه النسخة بالغة، ولكن الدرس أثبت أن هناك رواية أخرى اختلطت بنسختنا هذه، وبذلك فقدت أصالتها التي تدل عليها هذه الديباجة.
والذي يدفعنا إلى هذا أن هناك فى كلا الأصلين (-) مقدمة للكتاب مفصّلة لأنواع المجاز نظن أنها من هذا الأصل الذي قرىء على المؤلف، والذي لم يصلنا منه إلا هذه المقدمة، ثم بعد هذه المقدمة تبتدئ رواية أخرى لم تقرأ- فيما نقدّر- على المؤلف، بل ربما كانت من نسخ المجاز التي صدرت عن أبى عبيدة قديما، وقد جدّت بعدها نسخ أخرى أكثر تفصيلا منها، ولذلك فهى
المقدمة / 23