بسماع الأكاذيب والخرافات فلما رآهم منصتين إليه أخذ يفتري عبارات ينسبها إلى عنترة" (٢٨).
وظل يتفنن في إختلاق الأكاذيب حتى اقترب الفجر، وقد انقسم المستمعون إلى فريقين، وكل فريق يدفع لهذا المحتال نقودًا ليؤيد مشربه حتى قال وبينما هم في قتال ونزال، وقد انكشف الغبار عن أسر عنترة، وسنخلصه في الليلة المقبلة قال له أحد المستمعين من الجهلاء لا بد أن تخلصه الآن، وخذ عشرة جنيهات فرفض المحتال وحدثت مشادة بينهما ثم ذهب المستمع الجاهل، وقد تذكر أن عنده قصة عنترة، ولكنه أمي لا يقرأ فقصد بيت ابنه، وأيقظه من النوم وهو يبكي وطلب منه أن يحضر الكتاب، ويخلص عنترة من الأسر وإلا قتل نفسه، ولما حاول الإِبن إقناع والده بأن هذه القصة من وحي الخيال، وبها تخاريف وما عنترة إِلا عبد أسود أخذ شهرة بما صنعه من قتل بعض الناس بلا حق قام الرجل وضرب ابنه بعصاه حتى سال دمه، وحلف عليه بالطلاق ألا يبيت في المنزل فخرج الإِبن يسب الجهل وأصحابه قائلا "لا شك أن الجنون فنون" (٢٩).
وعن عادة الإتكال على الغير والتكاسل والجبن في مواجهة المواقف والتنصل من السئولية بإعتبار أن كل شيء يخضع للقضاء والقدر حذر النديم أبناء وطنه من هذه العادات الضارة وضرب لهم مثلًا على ذلك فذكر في مقال له بعنوان "نهاية البلادة - كلها عيشة وآخرها الموت" (٣٠) وتمنى ألا يكون من بين المصريين من ينطبق عليه هذا المثل فقال أن رجلًا ذهب إلى قريه فاستضافه شيخها، ولما أقبل الليل ونام الرجل أحس بسارق يحاول خلع باب منزل الشيخ فأيقظ مضيفه وقال له إن بالباب لصًا يحاول خلع الباب وسرقة المنزل، فلم يهتم صاحب البيت بالأمر وقال لصاحبه "اللي على الجبين لازم تشوفه العين" و"المقدر كائن ولا بد من إنفاذه" ولما طلب منه صاحبه الإستعداد للمدافعة عن بيته ونفسه وأهله وماله رفض وقال له "توكل على سيدك ونام"
_________
(٢٨) التنكيت والتبكيت: العدد الأول في ٦ يونيو ١٨٨١ ص ١٠.
(٢٩) نفسه.
(٣٠) التنكيت والتبكيت: العدد الرابع في ٣ يوليو ١٨٨١ ص ٥٦ - ٥٨.
1 / 15