78

Mujallar Muqtabas

مجلة المقتبس

Nau'ikan

صدور المشارقة والمغاربة كارلايل ولد سنة ١٧٩٥م وتوفي سنة ١٨٨١ هو أحد فلاسفة القرن الماضي في بلاد الإنكليز وأوحد رجال القلم وأرباب التاريخ منهم. كان أهله من صغار المزارعين فبعثوا به إلى كلية ادمبرغ المشهورة فامتاز فيها بالرياضيات وبذَّ فيها أترابه ولما أتم سني الدراسة عين معلمًا في إحدى المدارس إلا أن صناعة التعليم لم ترقه فاقتصد شيئًا من الدراهم يستعين بها على درس الحقوق واللاهوت في الكلية المشار إليها. ثم تخلى عنهما وأخذ بأهداب الآداب والانكباب على خدمتها. وكان يقول إن الآداب هي البيعة الوحيدة التي تحشر في حجرها جماعة المؤمنين في القرون الحديثة. ويعني بذلك تشبيه الكاتب بواعظ يبشر بأفكاره ويبثها في كل مكان وزمان. أخذ كارلايل يؤازر من أول أمره في إنشاء إحدى الموسوعات وينشر المباحث النافعة في بعض المجلات ويدرس الألمانية وآدابها وقد نقل عنها شيئًا إلى الإنكليزية ثم اضطر إلى معاودة صناعة التعليم قيامًا بأود عياله. وكان في خلال ذلك ترجم شعر شيلر الألماني فلم يحز قبول العلماء وأهل الأدب. تزوج كارلايل بفتاة ايكوسية عرفت بعقلها وجمالها بيد أنها كانت تشكو كل الشكوى من سكوته وأثرته. ولم يكن زواج العالم سعيدًا لضيق ذات اليد وعموم الحاجة وأشياء داخلية هو الأصل فيها. ولقد كتب سنة ١٨٣٥ أن الأدب لم يأته بفلس منذ ثلاثة وعشرين شهرًا ومع هذا كان من الثبات والانكماش آية الآيات، وغاية الغايات. وفي تلك السنة أتم الجزء الأول من كتابه الثورة الفرنسية وبعث بمسودته إلى ستوارت ميل الكاتب المشهور ينظر فيها فما هو إلا أن جاءه كتاب منه يقول فيه: إن خادمة له خرقاء ألقت بكتابه إلى النار فأصبح رمادًا تذروه الرياح. فكاد كارلايل يجن بهذا النبأ حتى أنه ظل ثلاثة أيام لم يأكل ولم يشرب وطاش عقله حتى هام على وجهه في الفلاة وبقي ثلاثة أشهر لا يعي على شيء إلا ما كان من تصفحه بعض الروايات على سبيل الفكاهة. ثم عاود كتابة ما سلف له في هذا الموضوع معزيًا نفسه بقوله: لعل الأقدار أرادت أن تعاملني في كتابي كما يعامل الأستاذ تلميذه إذا فرض عليه فرضًا ولم يجد فيه فيقول: عد إلى كتابته ثانية لأنه لا يصلح.

2 / 1