Mujallar Bayan
مجلة البيان
Nau'ikan
المسير في الآفاق لا يدري من أين جاء وهو مسخر في السماء كل سحابة كمارد أسود ثم يسح بمائه ويهضب ليحي أرضًا مواتًا ويخرج منها نباتًا ونخيلًا وأعنابًا أليس ذلك آية والأنعام خلقها لكم تحول الكلاء لبنا وهي فخر لكم والسفن - وكثيرًا ما يذكر السفن - كالجبال العظيمة المتحركة تنشر أجنحتها وتحتفز في سواء أليم لها حادٍ من الريح وبيننا تسير إذا هي قد وقفت بغتة وقد قيض الله الريح معجزات الله كل هذه وأي معجزات بعدها تريدون ألستم أنتم معجزات؟ لقد كنتم صغارًا وقبل ذلك لم تكونوا أبدًا ثم لكم جمال وقوة وعقل ثم وهبكم الرحمة أشرف الصفات وتهرمون ويأتيكم المشيب وتضعفون وتهن عظامكم وتموتون فتصبحوا غير موجودين ثم وهبكم الرحمة لقد ادهشتني جدًا هذه الجملة فإن الله ربما كان خلق الناس بلا رحمة فماذا كان يكون أمرهم! هذه من محمد نظرة نافذة إلى لباب الحقيقة وكذلك أرى في محمد دلائل شاعرية كبيرة وآيات على أشرف المحامد وأكرم الخصال وأتبين فيه عقلًا راجحًا عظيمًا وعينًا بصيرة وفؤادًا صادقًا ورجلًا قويًا عبقريًا لو شاء لكان شاعرًا فحلًا أو فارسًا بطلًا أو ملكًا جليلًا أو أي صنف من أصناف البطل.
نعم لقد كان العالم في نظره معجزة أي معجزة وكان يرى فيه كل ما كان يراه أعاظم المفكرين حتى أمم الشمال المتوحشة وهو أن هذا الكون الصلب المادي إنما هو في الحقيقة لا شيء - إنما هو آية على وجود الله منظورة ملموسة وهو ظل علقه الله على صدر الفضاء لا غير وكان يقول هذه الجبال الشامخات ستحلل وتذوب مثل السحاب وتفنى وكان يقول الجبال أوتاد الأرض وأنها ستفنى كذلك يوم القيامة وإن الأرض في ذلك اليوم العظيم تنصدع وتتفتت وتذهب في الفضاء هباءً منثورا فتنعدم وكان لا يزال واضحًا لعينيه سلطان الله على كل شيء وامتلاء كل مكان بقوة مجهولة ورونق باهر وهول عظيم هو القوة الصادقة والجوهر والحقيقة وهذا ما يسميه علماء العصر القوي والمادة ولا يرونه شيئًا مقدسًا بل لا يرونه شيئًا واحدًا وإنما أشياء تباع بالدرهم وتوزن بالمثقال وتستعمل في تسيير السفن البخارية فسرعان ما تنسينا الكيماويات والحسابيات ما يكمن في الكائنات من سر الله وما أفحش ذلك النسيان عارًا وأكبر هذه الغفلة إثما! وإذا نسينا ذلك فأي الأمور يستحق الذكر إذن فمعظم العلوم أشياء ميتة خاوية بالية - بقول ذابلة نعم وما أحسب العلوم
2 / 23