وهذه الطرق الثلاثة في العدد تارة ينفرد المدنيون بعدد دون البصريين والكوفيين، أو البصريون أو الكوفيون دون الباقين، وتارة يتفق اثنان من الثلاثة دون الثالث، وتارة يتفقون على عدد من غير خلاف، كهذه الآية الشريفة، اتفق المدنيون والبصريون والكوفيون على أنها آية واحدة.
ومعنى الآية لغة: العلامة، وتطلق على الدليل، وقال أبو عبيدة معمر ابن المثنى التيمي مولاهم البصري: والآية من القرآن إنما سميت آية لأنها كلام متصل إلى انقطاع، وانقطاع معناه: انقطاع قصة ثم قصة، قاله في كتابه ((مجاز القرآن)).
وهذه الآية الشريفة فيها قصة من من الله عز وجل من به على المؤمنين من بعثه أشرف الرسل صلوات الله وسلامه عليهم محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم، ومن أنفسهم، وتلاوة كتاب الله عليهم، وتزكيتهم، وتعليمهم الكتاب والحكمة: القرآن والسنة، وإنقاذهم من الضلال المبين؛ فلم تنقطع قصة المن والإخبار عنه إلا باستيفاء قوله تعالى: {وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين}.
فهذه آية واحدة، وهي من الجوامع، لاشتمالها على أحكام خطيرة، ومعان كثيرة، تؤخذ معرفة علومها من منطوقها ومفهومها.
وسبيل مأخذ ذلك من وجوه، منها الاعتبار، وهو أحد أقسام البلاغة.
واختلف في اشتقاقه، فقيل: من قولهم: عبرت النهر، إذا دخلت فيه من أحد شطيه إلى الآخر، فاعتبرت عمقه وما في قراره من سهوله أو غيرها بعبورك فيه.
وقيل: اشتقاقه من عبرت الدراهم، إذا عرفت أوزانها، وجيدها من رديئها.
Shafi 54