وكان هذا سببا في أن إذا الشيعة أخفوا إمامهم عن عيون الأمويين والعباسيين خوفا من قتله، لم يقولوا بموته ولكنهم كانوا يقولون عليه: «مهدي منتظر، يرجع إذا جاء ميعاد خروجه المقدر، فيخرج الناس معه ويزيل المظالم، ويحقق العدل».
وكان كثير عزة الشاعر المشهور يعتقد هذه العقيدة. وليس هنا كبير رابطة بين شعره الجيد في عزة وضعف عقله في عقيدته؛ فقال:
وسبط لا يذوق الموت حتى
يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زمانا
برضوى عندهم عسل وماء •••
وشاعت هذه العقيدة بين الشيعة، فكانوا من حين لآخر يخرجون ثائرين يطلبون الملك باسم المهدي.
ولما تحالف العلويون والعباسيون أولا على قتال الأمويين ظهر السفاح بنظرية جديدة؛ وهي أن محمد ابن الحنفية بايع ابنه أبا هاشم، وأن أبا هاشم هذا بايع السفاح، ثم من بعده المنصور فلم يثر عليهم العلويون؛ لأنهم اعتقدوا أن أمرهم هذا هين، فإذا هم تغلبوا معهم على الأمويين، فأمر هؤلاء العباسيين يسير، ولكن خاب فالهم؛ فما إن ولي السفاح حتى نكل بالأمويين والعلويين جميعا، وفاز بتأسيس الدولة العباسية، فجاء من بعده المنصور، واستغل شيوع كلمة المهدي عند الناس واعتقادهم فيها فلقب ابنه بالمهدي على أساس هذه الفكرة، ودعا إليه على أنه المهدي المنتظر ليحيط الخلافة بالسلطان الدنيوي والتقديس الديني، وجعله ولي عهده.
وكان تأسيسه للدولة العباسية على أساس ديني بتلقيبه ابنه هذا بالمهدي وتسمية أم المهدي بأم الخلفاء، تشبها باسم أم المؤمنين، وتسميته بغداد بدار السلام تشبها باسم الجنة، وتسميته أحد قصوره بقصر الخلد، تشبها باسم الجنة أيضا، وجعل بابا قصيرا لا يدخله إلا من انحنى كأنه راكع تعظيما له، وتكليفه بعض الفقهاء أن يضعوا الأحاديث في مدح العباسيين ومدح النبي، ووصفه بصفات تنطبق على ابنه المهدي. وكان المهدي نفسه ذا هلوسة دينية، يظهر ذلك في كثير من تصرفاته، وخصوصا إمعانه الشديد في محاربة من سماهم الزنادقة، وتقصيهم وقتلهم وظهوره بمظهر حامي الدين والمدافع عنه، وتسميته لولديه باسم الأنبياء موسى وهارون، وتلقيبه موسى بالهادي، ولما يئس من تسمية هارون بالمهدي؛ لأنه لقبه هو المهدي ، لقبه بالرشيد، وهي كلمة مساوية للمهدي بمعناها الأول وهكذا.
وتضخمت كلمة المهدي في المغرب على يد البرابرة، فقد ضاقوا ذرعا بظلم الحكام وتعصبوا ضد عصبية غيرهم، وإن كانوا أيضا قد تعصبوا للإسلام، وأذاقهم بنو الأغلب من العرب سوء العذاب؛ ففرضوا عليهم الضرائب الكثيرة التي لا قدرة لهم عليها، حتى ضجوا بالشكوى فلم يسمع لهم فانتهز الشيعة هذا الوضع، ودعوا للاستقلال عن الدولة العباسية، وأذاع الشيعيون فيها فكرة المهدي ووضعت الكلمة على لسان رجل ماهر اسمه أبو عبد الله الشيعي. يدعو للمهدي المنتظر ويبث فيهم مذهب الإسماعيلية، ويحمسهم للحرب، فقاتلوا قتالا شديدا، وأخيرا تغلبوا على عمال العباسيين وطردوهم، وأخضعوا أكثر بلاد المغرب لحكمهم، وضربوا السكة باسمهم، فجعلوا على أحد وجهي النقد «بلغت حجة الله»، وعلى الوجه الآخر «تفرق أعداء الله» وعلى السلاح «عدة في سبيل الله»، ووسموا الخيل بعبارة «الملك لله».
Shafi da ba'a sani ba