فهذا التعجيل يحتمل أن يقصد به إيقاعه قبل الصلاة ، ويحتمل أن لا. فكان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان يصليان المغرب قبل أن يفطرا. ثم يفطران بعد الصلاة ، بيانا أن هذا التعجيل لا يلزم أن يكون قبل الصلاة ، بل إذا كان بعد الصلاة فهو تعجيل أيضا ، وأن التأخير الذي يفعله أهل المشرق شيء آخر ، داخل في التعمق المنهي عنه ، وكذلك ذكر عن اليهود أنهم يؤخرون الإفطار فندب المسلمون إلى التعجيل. وكذلك قال عليه السلام : لا تصوموا حتى تروا الهلال ، ولا تفطروا حتى تروه (1)، احتمل أن تكون الرؤية مقيدة بالأكثر ، وهو أن يرى بعد غروب الشمس. فبين عثمان أن ذلك غير لازم ، فرأى الهلال في خلافته قبل الغروب ، فلم يفطر حتى أمسى وغابت الشمس.
وتأمل. فعادة مالك بن أنس في موطئه وغيره الإتيان بالآثار عن الصحابة. مبينا بها السنن ، وما يعمل به منها ، وما لا يعمل به. وما يقيد به مطلقاتها. وهو دأبه ومذهبه لما تقدم ذكره.
ومما بين كلامهم اللغة أيضا. كما نقل مالك في دلوك الشمس وغسق الليل كلام ابن عمر وابن عباس ، وفي معنى السعي عن عمر بن الخطاب أعني قوله تعالى : ( فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ) [الجمعة : 9]. وفي معنى الأخوة أن السنة قضت أن الأخوة اثنان فصاعدا. كما تبين بكلامهم معنى الكتاب والسنة.
لا يقال : إن هذا المذهب راجع إلى تقليد الصحابي ، وقد عرفت ما فيه من النزاع والخلاف. لأنا نقول : نعم. هو تقليد ، ولكنه راجع إلى ما لا يمكن الاجتهاد فيه على وجهه ، إلا لهم ، لما تقدم من أنهم عرب ، وفرق بين من هو عربي الأصل والنحلة وبين من تعرب : (غلب التطبع شيمة المطبوع) وأنهم شاهدوا من أسباب التكاليف وقرائن أحوالها ما لم يشاهد من بعدهم. ونقل قرائن الأحوال على ما هو عليه كالمتعذر ، فلا بد من القول بأن فهمهم في الشريعة أتم وأحرى بالتقديم. فإذا جاء في القرآن أو في السنة من بيانهم ما هو موضوع موضع التفسير ، بحيث لو فرضنا عدمه ، لم يمكن تنزيل النص عليه على وجهه ، انحتم الحكم بإعمال ذلك البيان ، لما ذكر ، ولما جاء في السنة من اتباعهم والجريان على سننهم. كما جاء في قوله
Shafi 69