327

( ثم قست قلوبكم من بعد ذلك ) المخاطبون إما أهل الكتاب الذين كانوا في زمنه صلى الله عليه وسلم ، أي اشتدت قلوبكم وقست وصلبت من بعد البينات التي جاءت أوائلكم ، والأمور التي جرت عليهم ، والعقاب الذي نزل بمن أصر على المعصية منهم ، والآيات التي جاءهم بها أنبياؤهم ، والمواثيق التي أخذوها على أنفسهم ، وعلى كل من دان بالتوراة ممن سواهم. فأخبر بذلك عن طغيانهم وجفائهم مع ما عندهم من العلم بآيات الله التي تلين عندها القلوب. وهذا أولى. لأن قوله تعالى : ( ثم قست قلوبكم )، خطاب مشافهة. فحمله على الحاضرين أولى. وأما أن يكون المراد أولئك اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام خصوصا ، أو من قبل المخاطبين من سلفهم. والله أعلم. ( فهي كالحجارة ) في القساوة ( أو أشد ) منها ( قسوة ) أي هي في القسوة مثل الحجارة أو زائد عليها فيها. و ( أو ) للتخيير أو للترديد. بمعنى أن من عرف حالها شبهها بالحجارة أو بما هو أقسى كالحديد. أو من عرفها شبهها بالحجارة أو قال هي أقسى من الحجارة ، وترك ضمير المفضل عليه للأمن من الالتباس ( وإن من الحجارة لما يتفجر ) أي يتفتح بالسعة والكثرة ( منه الأنهار ) بيان لأشدية قلوبهم من الحجارة في القساوة وعدم التأثر بالعظات والقوارع التي تميع منها الجبال وتلين بها الصخور ، يعني أن الحجارة ربما تتأثر حيث يكون منها ما يتفجر منه المياه العظيمة ( وإن منها لما يشقق ) أي يتشقق ( فيخرج منه الماء ) أي العيون الي هي دون الأنهار ( وإن منها لما يهبط من خشية الله ) أي يتردى من رأس الجبل من خشية الله ، انقيادا لما سخره له من الميل إلى المركز بالسلاسة ، قاله القاشاني.

وقد ذهب بعض المفسرين إلى الاستدلال بظاهر الآية على خلق التمييز في الجماد حتى يخشى ويسبح. والمحققون على أن هذه الآية وأمثالها من المجاز البليغ. وأن الإطلاق لا ينحصر في الحقيقة. لا سيما وأن المجاز أكثر في اللسان منها ، كما بسط في مطولات البيان.

وقد رد الإمام ابن حزم ، في أول كتابه «الفصل» على من زعم أن للحيوان والجماد تمييزا ، ردا مسهبا. وقال : من ادعى ذلك أكذبه العيان. ثم استثنى ما كان معجزة للأنبياء عليهم السلام .

(قال) ولعل معترضا يعترض بقوله تعالى يصف الحجارة ( وإن منها لما يهبط من خشية الله )، فقد علمنا بالضرورة أن الحجارة لم تؤمر بشريعة ولا بعقل ولا بعث

Shafi 330