268

[القصص : 49]. وقال في سورة الإسراء ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) [الإسراء : 88]. وقال في سورة هود : ( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) [هود : 13]. وقال في سورة يونس : ( وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه ، قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ) [يونس : 38 38]. وكل هذه الآيات مكية. ثم تحداهم أيضا في المدينة بقوله ( وإن كنتم في ريب .. ) [البقرة : 23] ، إلى آخر هذه الآية فعجزوا عن آخرهم : وهم فرسان الكلام ، وأرباب النظام ، وقد خصوا من البلاغة والحكم ، ما لم يخص به غيرهم من الأمم ، وأوتو من ذرابة اللسان ، ما لم يؤت إنسان. ومن فصل الخطاب ، ما يقيد الألباب. جعل الله لهم ذلك طبعا وخلقة ، وفيهم غريزة وقوة. يأتون منه على البديهة بالعجب ، ويدلون به إلى كل سبب ، فيخطبون بديها في المقامات وشديد الخطب ، ويرتجزون به بين الطعن والضرب. ويمدحون ، ويقدحون ، ويتوسلون ، ويتوصلون ، ويرفعون ، ويضعون ، فيأتون بالسحر الحلال. ويطوقون من أوصافهم أجمل من سمط اللئال. فيخدعون الألباب ، ويذللون الصعاب ، ويذهبون الإحن ، ويهيجون الدمن ، ويجرئون الجبان ، ويبسطون يد الجعد البنان. ويصيرون الناقص كاملا ، ويتركون النبيه خاملا ، منهم البدوي : ذو اللفظ الجزل ، والقول الفصل ، والكلام الفخم ، والطبع الجوهري ، والمنزع القوي. ومنهم الحضري : ذو البلاغة البارعة ، والألفاظ الناصعة ، والكلمات الجامعة ، والطبع السهل ، والتصرف في القول القليل الكلفة ، الكثير الرونق ، الرقيق الحاشية ، وكلا البابين فلهما في البلاغة الحجة البالغة ، والقوة الدامغة ، والقدح الفالج ، والمهبع الناهج. لا يشكون أن الكلام طوع مرادهم ، والبلاغة ملك قيادهم ، قدحوا فنونها ، واستنبطوا عيونها ، ودخلوا من كل باب من أبوابها ، وعلوا صرحا لبلوغ أسبابها ، فقالوا في الخطير والمهين ، وتفننوا في الغث والسمين ، وتقاولوا في القل والكثر ، وتساجلوا في النظم والنثر ومع هذا فلم يتصد للإتيان بما يوازيه أو يدانيه واحد من فصحائهم ، ولم ينهض لمقدار أقصر سورة منه ناهض من بلغائهم ، على أنهم كانوا أكثر من حصى البطحاء ، وأوفر عددا من رمال الدهناء ، ولم ينبض منهم عرق العصبية مع اشتهارهم بالإفراط في المضادة والمضارة ، وإلقائهم

Shafi 271