Kyawawan Tafsiri
محاسن التأويل
Nau'ikan
أهل الإسلام ، ويكون بمنزلة قول الله تعالى : ( كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ) [المائدة : 64]. ويكون قوله تعالى : ( ذهب الله بنورهم ) مطابقا لقوله تعالى : ( أطفأها الله ) ويكون تخييبهم ، وإبطال ما راموه ، هو : تركهم في ظلمات الحيرة ، لا يهتدون إلى التخلص مما وقعوا فيه ، ولا يبصرون سبيلا ، بل هم ( صم بكم عمي ). هذا التقدير وإن كان حقا ففي كونه مراد بالآية نظر ، فإن السياق إنما قصد لغيره ، ويأباه قوله تعالى : ( فلما أضاءت ما حوله ) وموقد نار الحرب لا يضيء ما حوله أبدا. ويأباه قوله تعالى : ( ذهب الله بنورهم ) وموقد نار الحرب لا نور له ، ويأباه قوله تعالى : ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) وهذا يقتضي أنهم انتقلوا من نور المعرفة والبصيرة ، إلى ظلمة الشك والكفر.
قال الحسن رحمه الله : هو المنافق أبصر ثم عمي ، وعرف ثم أنكر. ولهذا قال ( فهم لا يرجعون ) أي لا يرجعون إلى النور الذي فارقوه. وقال تعالى في حق الكفار ( صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) فسلب العقل عن الكفار إذ لم يكونوا من أهل البصيرة والإيمان وسلب الرجوع عن المنافقين لأنهم آمنوا ثم كفروا فلم يرجعوا إلى الإيمان.
* فصل
ثم ضرب الله ، سبحانه ، لهم مثلا آخر مائيا ، فقال تعالى : ( أو كصيب من السماء فيه ظلمات ورعد وبرق يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق حذر الموت والله محيط بالكافرين ). فشبه نصيبهم مما بعث الله تعالى به رسوله صلى الله عليه وسلم من النور والحياة بنصيب المستوقد النار التي طفئت عنه أحوج ما كان إليها ، وذهب نوره. وبقي في الظلمات حائرا ، تائها ، لا يهتدي سبيلا ، ولا يعرف طريقا ، وبنصيب أصحاب الصيب وهو المطر الذي يصوب (أي ينزل) من علو إلى أسفل فشبه الهدى الذي هدى به عباده بالصيب ، لأن القلوب تحيى به حياة الأرض بالمطر. ونصيب المنافقين من هذا الهدى ، بنصيب من لم يحصل له نصيب من الصيب إلا ظلمات ورعد وبرق ، ولا نصيب له فيما وراء ذلك مما هو المقصود بالصيب من حياة البلاد ، والعباد ، والشجر ، والدواب ، وأن تلك الظلمات التي فيه ، وذلك الرعد ، والبرق ، مقصود لغيره ، وهو وسيلة إلى كمال الانتفاع بذلك الصيب. فالجاهل لفرط جهله يقتصر على الإحساس بما في الصيب من ظلمة ورعد وبرق ولوازم ذلك من برد شديد ، وتعطيل المسافر عن سفره ، وصانع عن صنعته ولا بصيرة له تنفذ إلى ما يؤول إليه أمر ذلك الصيب من الحياة والنفع العام. وهكذا شأن كل
Shafi 263