فقد أحب هذا العالم الصغير مثل سائر العشاق. (25) ملحق عن اليوتوبيا وتطورها:
يشهد النصان المذكوران من قبل على أن هذه المجتمعات المثالية قد وجدت في نهاية العصر الجليدي المتأخر، بعد نجاح الإنسان في استئناس بعض الحيوانات وإقامة جماعات صغيرة توافر لها قدر كاف من الاستقرار والطعام. وربما تكون اليوتوبيات الأولى هي الذكريات الشعبية السارة والحزينة أيضا عن هذه الحالة الأولية التي رسمتها مخيلة الناس وأشواقهم في أساطير معظم الحضارات القديمة وحكاياتها عن عصر ذهبي مضى وأصبح من الصعب استعادته، ويمثل الصورة المضادة للحياة المدنية المعقدة التي عرفت الحروب والصراعات ومتاعب العمل والشقاء مع تزايد عدد السكان في العصر الحديدي، ووضعت نظم التحكم الدينية والعقلانية مع تأسيس المدن القديمة، ويمكن القول بأن المدن القديمة كانت تمثل نماذج ثابتة لليوتوبيات التي انطبعت مؤسساتها الراسخة بخاتم النظام الإلهي والغائبة البشرية.
وجمهورية أفلاطون تدين لذلك التنظيم الاجتماعي الذي كان قد تقادم عهده وأخذ الناس يحنون إليه أيام أفلاطون نفسه. وهي تعد أول عمل يوتوبي يقدم نظاما اجتماعيا مثاليا بكل تفاصيل بنائه ومؤسساته، ومع أنه ليس أول نظام تخيله الإغريق؛ إذ يذكر أرسطو في الفصل السابع من الكتاب الثاني من السياسة، أن فالباس الخلقدوني كان أول من أكد ضرورة المساواة في الملكية بين المواطنين في دولة المدينة، وأن هيبوداموس الملطي هو أول شخص شغل بالبحث عن أفضل أشكال الحكم، إلا أنه ظهر وقت ثبت فيه فساد «البوليس» أو دولة المدينة واشتبكت فيه مدن الإغريق في الصراعات الدامية - ومن أخطرها الحرب بين أثينا وأسبرطة - ولذلك حاول أفلاطون أن يقدم نموذجا معقولا لنظام اجتماعي صالح ودائم يؤكد للمواطنين الصالحين أن السعي للحياة الفاضلة والعادلة يكافأ في الدنيا ويثاب عليه في الآخرة (الكتاب العاشر من الجمهورية 106). ولكن جمهورية أفلاطون - شأنها شأن معظم اليوتوبيات قبل القرن الثامن عشر - كانت أبعد ما تكون عن الديمقراطية وعن الطبيعة البشرية. ويبدو هذا في نظام الطبقات المغلق الذي يدير العمل والتربية فيه صفوة الحكام الحكماء ويحميه الحراس الأشداء ويطعمه الشعب المنتج، وفي إلغاء الملكية الخاصة والحط بالتالي من شأن الأسرة والمرأة وفي تحديد الوظائف والأدوار الاجتماعية وتقرير الأوضاع القائمة والإجابة على كل الأسئلة في هذه الدولة التي فاقت كل النظم الاجتماعية اليوتوبية في سكونيتها وعدم تاريخيتها وبعدها. وإذا كانت أسبرطة بنظمها الصارمة التي جعلتها أشبه شيء بمعسكر تدريب ضخم على الشجاعة والبساطة والتضحية والخشونة إلى حد الوحشية قد حاولت أن تشكل الإنسان الكامل كما تصوره مشرعها ليكورجوس الذي وضع نظاما في التربية والتدريب العسكري. يمكن مواطنيه من الدفاع عن حريتهم ونمط حياتهم الذي اعتقدوا أنه إلهي لا يقبل التغيير (على نحو ما وصفه وأشاد به المؤرخ اليوناني بلوتارك في الفصل الذي عقده عنه في تاريخ المشهور) فالواقع أن أفلاطون لم يكن هو الوحيد الذي أعجب بنظام أسبرطة، وإنما جذب الكثير من اليوتوبيين بعد ذلك وقدم لهم نموذجا مثاليا للتحكم العقلاني في حياة الإنسان وإمكان تحقيقه إذا توافر له قائد نموذجي مثل ذلك المشرع الذي رفعه مواطنوه إلى مصاف الآلهة.
ولو صرفنا النظر عن الأوصاف المتتالية للعصر الذهبي والمجتمعات الصالحة (كما في أعمال أويهميروس القوريني وأوفيد ولوقيان السميساطي وغيرهم، أو في قوانين أفلاطون وسياسة أرسطو وتربية قورش لإكزينوفون التي لا تعد كلها يوتوبيات وإن كانت قد ألهمت كتاب اليوتوبيا المتأخرين بنظم وأفكار كثيرة عن السعادة والخير اللذين يمكن أن يوجدا في مجتمع مدني يحكم حكما مستنيرا، بالإضافة إلى زينون الكتيومي مؤسس الرواقية وغيره من الرواقيين المتأخرين وبعض المفكرين التوفيقيين - مثل شيشرون - توسعوا في فكرة النظام الاجتماعي المثالي ليشمل البشرية كلها ولا يقتصر على المواطنين داخل أسوار المدينة) ولو صرفنا النظر كذلك عن الجماعات الدينية الأولى - اليهودية والمسيحية - التي تشاركت في الملكية وطلبت الخلاص عن طريق الإيمان والفضل الإلهي ولم تكن يوتوبيات بالمعنى الخيالي ولا الواقعي المتصور قيامه بجهد الإنسان وتخطيطه - على الرغم من احتوائها على عناصر مثالية ورؤى يوتوبية في وصف نعيم الجنة - وهي اليوتوبيا الوحيدة التي ضاعت ويمكن أن تستعاد، وفي نظام الحكومة الإلهية (الثيوقراطية) ومدينة الله أو مملكته التي ليست من هذا العالم، وفي عقائد الخلاص الألفية - في المسيحية خاصة - حتى القرن السادس عشر عن قيام مملكة الرب المختلفة عن عالمنا التعس الفاسد وبشره الخطائين، لو صرفنا النظر عن ذلك كله، فإن البعث الحقيقي للكتابات اليوتوبية لم يتم إلا في عصر النهضة ومع نشأة المدن البرجوازية وسيطرة النزعات الطبيعية والإنسانية والعلمانية المتفائلة بالمستقبل. فقد تكونت رؤى شبه يوتوبية عند رجال مثل نيقولا الكوزي (1401-1464م) وليوناردو دافنشي (1452-1529م) تصوروا فيها إمكان إعادة تشكيل العالم وإصلاح نظمه على ضوء دولة المدينة المثالية في عصرهم لتحقيق القيم والغايات الأرضية والبشرية التي سادت العصر. وأول عمل يوتوبي بالمعنى الحديث هو يوتوبيا توماس مور (1516م) الذي صك المصطلح بمعنييه السابقين، وقد أثرت عليها الاضطرابات الدينية التي سبقت ثورة الإصلاح، وارتفاع المدن والدول القوية نتيجة النمو الاقتصادي، ورحلات الاستكشاف إلى سواحل نائية وجزر مجهولة. تصور «مور» أفضل مجتمع مثالي يمكن أن يتوصل إليه البشر الناقصون الخطاءون بغير عون من الوحي الإلهي (وربما كان هذا صدى لتأثير قصة حي بن يقظان الفلسفية لابن طفيل (ت 1185م) عليه وعلى كثير من اليوتوبيات وقصص الرحلات إلى الجزر البعيدة مثل روبنسون كروزو وجليفر ...)
ولذلك كانت يوتوبيا مور تعبيرا عن مثالية اجتماعية تحتج على الشرور والمظالم في وطنه من ناحية، كما كانت من ناحية أخرى تأكيدا لحدود العقل والبشرية في مجتمع يفتقر إلى المعرفة بالمسيحية والإيمان بها. وقد امتلأت مدينة مور بأنظمة التحكم والرقابة الشمولية الصارمة التي تقيد من غرور سكانها وتقدم الحلول المثالية لمشكلات الفقر والحكم الفاسد والاضطراب الاقتصادي التي عرفتها المجتمعات الأوروبية في القرن السادس عشر، كما أرست النموذج اليوتوبي الذي بقي بغير تغيير حتى أواخر القرن الثامن عشر. ولكنها قد رسمت في النهاية عالما سكونيا خارج الزمن والتاريخ وقدمت نماذج شمولية للضبط الاجتماعي والتحكم الدقيق في الإنتاج والتوزيع ونمو السكان والحياة المشتركة التي تشبه حياة الأديرة أو مجتمعات الشيوع البدائية التي تدين بالدين الطبيعي وتحتقر الذهب والمال وسائر مظاهر الملكية الفردية.
وتنعكس الاتجاهات العقلية الشائعة في القرن السابع عشر على يوتوبياته، ومن أهمها مدينة الشمس للدومينيكاني توماسو كامبانيلا (1568-1639م) التي كتبها في فترة سجنه الطويل من 1602م إلى 1627م وراح فيها يدافع عن فكرة إقامة حكومة كاثوليكية و«شيوعية» عالمية تخضع جميع الدول القومية تحت رئاسة البابا ويتولى إدارتها كهنة فلاسفة (وقد حاول الجوزيت أن يقيموها على أرض الواقع أثناء فترة حكمهم لباراجواي من عام 1588 إلى عام 1768م) وتكشف مدينة الشمس عن شغف كامبانيلا بالتنجيم وعلوم الأسرار من ناحية، وعن تحمسه لجاليليو والعلم الجديد وكراهيته لأرسطو من ناحية أخرى، كما تدل على نزعة واضحة إلى الخلاص، مقرونة بالإيمان بالتقدم من خلال تطبيق المعرفة العلمية والاختراعات المستحدثة لتحقيق سعادة الإنسان ورفاهيته. والغريب أن يوتوبيا المدينة المسيحية (1619م) للألماني يوهان فالنتين أندريا قد صدرت قبل صدور الصياغة الأخيرة لمدينة الشمس بوقت قصير، وهي تشبهها من نواح كثيرة؛ إذ تعبر عن شغف صاحبها بعلوم الأسرار واهتمامه بالعلم الجديد ومحاولة ربط العقيدة المسيحية بتصور نظام اجتماعي يخفف عبء موتنا وفنائنا. ونأتي إلى أطلنطا الجديدة لرائد العلم التجريبي والمنهج الاستقرائي والمبشر بحضارة العلم الجديد فرانسيس بيكون (1561-1626م) هذه اليوتوبيا القصيرة التي لم يتمها صاحبها وتبلورت فيها أجرأ الخيالات العلمية، وعملت شهرة صاحبها على ذيوع صيتها وقوة تأثيرها حتى اليوم على ما يسمى بروايات الخيال العلمي ، كان هدف بيكون مثل السابقين له واللاحقين، كسمويل هارتليب في يوتوبيا وصف المملكة الشهيرة ماريكا، هو أن يوضح لمعاصريه أن المجتمع المسيحي يمكن إصلاحه بالمزيد من المعرفة العلمية وتطبيقاتها التقنية النافعة؛ ولذلك جعل بيت سليمان - وهو مركز مدينته العلمية والعقل المفكر لها وللبشرية كلها - أول معهد للبحوث العلمية التي تقوم على تضافر جهود العلماء في ابتكار الاختراعات والآلات التي توفر السعادة والرخاء للإنسان. وقد تحققت كل تنبؤاته كالتبريد وتهجين النبات والحيوان وأجهزة الاتصال عن بعد ... إلخ، وقد كانت هذه اليوتوبيا الصغيرة وراء تأسيس الجمعية الملكية في لندن 1662م كما كانت مصدر إلهام لكتاب الموسوعة الفرنسية الشهيرة التي أشرف على تحريرها دنيس ديدرو-لورن دالمبير وكان لها دور كبير في نشر المعرفة العلمية والنقدية في القرن الثامن عشر.
لم يقتصر الاهتمام بآفاق العلم والتقنية على الأسماء السابقة، وإنما امتد إلى بعض الكتاب المسيحيين الأقل منهم شأنا والذين برزوا على سطح الخضم الجياش للثورة الإنجليزية ضد الملكية في منتصف القرن السابع عشر، مثل جيرادر وينستانلي في قانون الحرية (1651م) وروبرت بيرتون في مخططه الموجز «من ديموقريطس الصغير إلى القارئ» الذي تضمنه كتابه تشريح الاكتئاب 1620م وكلاهما ينطوي على تصورات يوتوبية إصلاحية في ثوب مسيحي خلاصي، بالإضافة إلى سوليما الجديدة لصمويل جوت 1614-1671م بجانب مقاله عن السعادة الحقيقية للإنسان والسيفراميين أو سكان أستراليا لدنيس فيراس في أواخر القرن السابع عشر والإقيانوسة 1656م لجيمز هارينجتون الذي تميز بنزعته الواقعية وموقفه النقدي من دعاة الملكية المستندة إلى الحق الإلهي مثل توماس هوبز غيره، وتهتم الإقيانوسة مثل غيرها من يوتوبيات هذا المؤلف بمواجهة المشكلات المحتدمة في عصره كالاستقرار السياسي والإصلاحات الدستورية والأسس الاقتصادية التي يقوم عليها؛ إذ كان هارينجتون من أنصار الحكم الجمهوري واهتم اهتماما كبيرا بالشئون الزراعية والنظام العام والتسامح الديني. ولا نستطيع أن نترك القرن السابع عشر قبل أن نذكر اثنتين من يوتوبياته مهدتا للقصة الفلسفية في عصر التنوير وللكثير من أفكاره النقدية والعقلانية، وهما الحكاية الهزلية أو الرحلة إلى القمر 1650م، للأديب الفرنسي سيرانو دي بيرجيراك الذي عرفنا به المنفلوطي، والأرض الأسترالية المجهولة 1676م لجبريل دي فواني، فضلا عن الاتجاه إلى نقد المسيحية مع أواخر القرن من وجهة نظر التدين الطبيعي، وقد ظهر تأثير هذا الاتجاه العلماني في يوتوبيات عديدة أهمها رحلات ومغامرات جاك ماسيه (1710م) للفرنسي سيمون تيزو دي باتو.
وجاء عصر التنوير في القرن الثامن عشر ليفصح عن هذه الاتجاهات في يوتوبيات خفتت فيها النغمة الأخلاقية المرتفعة لتصبح أماكن للسعادة والمتع الحسية. نجد هذا في تصوير ديدرو - وهو من أهم فلاسفة التنوير وأدبائه والمسئول عن الموسوعة الشهيرة كما سبق القول - لحياة السكان في جزر تاهيتي في يوتوبيا، ملحق لرحلة بوجا نفيل 1762م، وفي يوتوبيات تؤكد المساواة المطلقة في مجتمع شيوعي متكامل وتمجد العمل من جوانبه الإبداعية لا الأخلاقية وحسب، مثل قانون الطبيعة 1755م والجزر العائمة 1753م للفيلسوف الاجتماعي الفرنسي موريللي 1716-1781م ويعدان إضافة هامة إلى فكر الثورة الفرنسية التي اندلعت نيرانها بعد وفاته بثماني سنوات. وبجانب اليوتوبيات الأخيرة التي صورت مجتمعات شيوعية مثالية وإنسانية اختفت منها الملكية الفردية - مصدر الشرور والصراعات جميعا من أفلاطون إلى اليوم - نجد يوتوبيات أخرى تندفع إلى المستقبل في تفاؤل شديد، متأثرة بأفكار فلاسفة العصر ومصلحيه الكبار الذين رسم بعضهم مشروعات نظرية وحضارية تدور حول فكرة التقدم الحتمي في الفنون والعلوم والأخلاق ونظم الاجتماع وإمكان تشكيل الطبيعة البشرية والوصول بها إلى الكمال عن طريق التربية المعرفية والأخلاقية والجمالية، مثل تيرجو وكوندورسيه ودي كاريتا والبارون دولباخ وهلفيتيوس وديتريك. وتبلورت هذه الأفكار المستقبلية خرجت باليوتوبيا لأول مرة من سكونيتها ولا تاريخيتها السابقة، في يوتوبيا بعنوان سنة 2440م أو الحلم الذي لم يسبق له مثيل 1770م لمؤلفها لوي سباستيان ميرسييه. وجمهورية الفلاسفة أو تاريخ الأجويين لبرنار فونتينيل 1657-1757م، وفي القسم الأخير من لوحة التقدم الاجتماعي الشهيرة التي رسم فيها الماركيز كوندروسيه الذي تقدم ذكره معالم مستقبل عام للبشرية التي ستحيا في النهاية حياة حرة تحت سقف نظام اجتماعي عقلاني وطبيعي تشارك فيه الشعوب بدرجات متفاوتة، ويزداد اكتماله بصفة مستمرة، وذلك في مخطط لوحة تاريخية لجوانب تقدم العقل البشري 1794م، ولا جدال في أن هذه الأفكار اليوتوبية قد صبت بصورة غير مباشرة في الثورتين الكبريين في أواخر القرن الثامن عشر، وهما ثورة الاستقلال الأمريكية والثورة الفرنسية، كما حملت أصداء كثيرة من أزمات العصر وطموحاته.
هكذا تسلم القرن التاسع عشر فكرة اليوتوبيا بعد أن أفعمت بالحركة والتفاؤل بالمستقبل. وأصبحت مهمة الاشتراكيين المثاليين (مثل سان سيمون 1760-1825م وأتباعه، وروبرت أوين 1771-1859م). تتركز على وسائل بلوغ اليوتوبيا أكثر من التركيز على الشكل المحدد للمجتمع اليوتوبي، ويكفي أن نطلع على عنوان كتابي أوين اللذين يعبران عن وجهة نظره في إمكان تعديل الطبيعة البشرية لدى الأطفال بوجه خاص بصور لا حصر لها عن طريق التوجيه الرشيد إلى حب الغير والتربية العاقلة للفكر والسلوك المستقيم وهما: النظرة الجديدة إلى العالم أو مقالات عن مبدأ تشكيل الطبع الإنساني وتطبيقاته في الواقع العلمي 1816م وكتاب العالم الأخلاقي الجديد 1836م، بيد أن التربية لم تكن غير طريق واحد من الطرق الموصلة إلى الهدف؛ إذ رجع بعض اليوتوبيين الثوريين إلى مثل الثورة الفرنسية وأعمالها عند اليعاقبة وعند بابيف واقتنعوا بأن الفعل السياسي - ولو بلغ حد العنف الثوري - هو الطريق الوحيد لتحقيق اليوتوبيا، ورأى بعضهم الآخر أن تقديم نموذج حي وناجح لمجتمع يوتوبي هو السبيل لإقناع الجنس البشري بتبني مثل هذا النموذج؛ وذلك مثل الفيلسوف الاشتراكي شارل فورييه (1772-1835م) رائد الحركة التعاونية في نظريته عن تكوين اقتصاد جديد مجرد عن الأنانية، من خلال تقسيم الدولة إلى مناطق أو معسكرات تعاونية.
ورفرفت أحلام اليوتوبيين في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين فبلغ طموح بعضهم إلى حد القول بإمكان الانتصار على المرض والموت، والقضاء على الفقر والجهل والفوضى والجريمة. وازداد تفاؤلهم بقدرات العلم والتقنية في ظل الأنظمة الاجتماعية الجديدة على تحقيق الوفرة والرخاء، وتخليص العمال بفضل الآلة من سخرة العمل وشقائه، والرقي بالبشر إلى الذرى العقلية والروحية بعد إتمام السيطرة على الطبيعة دون أن يتنبئوا بالطبع بكوارث التلوث وتدمير البيئة وأخطار سوء استخدام التقنية التي تزحف اليوم على الأرض وتهدد بإبادة البشر! وأصبحت كلمة اليوتوبي مرادفة لكلمة الاشتراكي، الأمر الذي أدى إلى زيادة تأثير الأفكار اليوتوبية على الحياة السياسية والاقتصادية وذلك على النحو الذي تجلى في يوتوبيا نظرة إلى الخلف من سنة 2000م التي ظهرت سنة 1819م لإدوارد بيلامي 1850-1898م واعتمدت عليها الحركات الاشتراكية في الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر القرن التاسع عشر، وكذلك مع الأرض الحرة، صورة اجتماعية للمستقبل لمؤلفها تيودور هيرتسكا 1845-1925م التي كانت بمثابة يوتوبيا للمغامرين الرأسماليين على أرض القارة السوداء!
Shafi da ba'a sani ba