deduction ، الآلية الذهنية العاملة في التفكير الرياضي والبحث في العلوم المنطقية والرياضية.
الاستنباطية كآلية ذهنية له أشكال وفعاليات كثيرة، متفاوتة في طبيعتها وفي دورها وفي قيمتها، يستخدمه العقل البشري في أي لحظة حين يستخرج مضمونا من مضمون آخر، دون التجاء للتجريب، مثلا حين يستخرج المعاني من النصوص، أو الجزء من الكل أو الخاص من العام، أو المثيل من المثيل، أو ينتقل من القاعدة إلى حالة جزئية لها. والاستنباط كمنهج بحث وتنظيم لفعاليات العقل، له أيضا أشكال عديدة متفاوتة، على أن أرقى أشكاله وممارساته في الرياضيات.
فما الاستنباط؟
ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم (سورة النساء، الآية: 83).
وفي التفسير الميسر جاء معنى هذا: «لعلم حقيقة معناه أهل الاستنباط منهم» من الناحية الإتيمولوجية مصطلح، أو لفظة الاستنباط مأخوذة من لفظ «نبط» وهو نبع الماء، ونبط الماء وأنبطه واستنبطه؛ أي استخرجه من النبط بفعل فاعل. ثم أصبح الاستنباط يعني الاستخراج على عمومه، خصوصا استخراج المثمر الجيد النافع المفيد؛ فالماء في البيئة الصحراوية التي نشأت فيها اللغة العربية، يختزل دلالات الخير العميم المرجو دائما، فيقال: استنبط الحكم؛ أي استخرجه بالاجتهاد. وفي تعريفات الجرجاني: «الاستنباط اصطلاحا هو استخراج المعاني من النصوص بفرط الذهن وقوة القريحة.»
7
هكذا نجد القدماء قد عرفوا مصطلح الاستنباط، واستخدموه كفعل ذهني ذي طريق محدد، وعرفوا أيضا أشكالا للمنهج الاستنباطي، أشهرها القياس الأرسطي والقياس الأصولي. وفي استعمال جديد ومتطور لهذا المصطلح القديم، يأتي علم مناهج البحث الحديث، ليسير في طريق خدمة الفعل الذهني الاستنباطي، كي يستخرج الصورة الإيجابية المنتجة له في منهج الرياضيات.
يقوم المنهج الرياضي، أو نمط التفكير الرياضياتي، على استنباط بمعنى استخراج النتائج من مقدمات، والانتقال من قضية أو قضايا إلى أخرى تلزم عنها، والمقدمات في النسق الرياضياتي تقوم على بديهيات، يسلم بها العقل لوضوحها أو بداهتها؛ لذلك يسمى المنهج الرياضياتي: المنهج الأكسيوماتيكي الاستنباطي (الأكسيوماتيكي = البديهي). واستنباط النتائج من المقدمات يعني البرهنة على هذه النتائج. الصفة الأساسية للاستنباط هي لزوم النتائج عن المقدمات بالضرورة، متى سلمنا بالمقدمات لا بد أن نسلم بالنتيجة المستنبطة منها، فإذا أنكرناها وقعنا في التناقض. اللزوم والضرورة والدقة هي خصائص النتائج المستنبطة، خصائص القضايا الرياضية التي هي تحليلية تحصيل حاصل، توصف بالصحة والبطلان وليس الصدق والكذب.
وتقوم ممارسة المنهج الاستنباطي الرياضياتي على أساس من مقدمات أساسية: وهي مجموع الحدود والقضايا الأولية، التي يسلم بها الرياضياتي قبلا بلا برهان، وتتكون من تعريفات ثم مصادرات تضم بديهيات ومسلمات. وللبديهية ثلاث خواص: أولا الوضوح الذاتي، فتكون في غير حاجة إلى شرح أو توضيح. وثانيا الأولانية المنطقية، فهي غير مأخوذة أو مستنبطة من أي قضايا أو مبادئ أخرى. والخاصية الثالثة أنها قاعدة صورية عامة، أما المسلمات فقد لا تكون بوضوح البديهية ونسلم بها فقط؛ لأن العالم رآها ضرورية لبناء نسقه الاستنباطي، وهي بدورها لها ثلاثة شروط: الاتساق الذاتي، فتكون خلوا من أي تناقض، ثم الاستقلال فتكون كل مسلمة مستقلة عن الأخرى، لا يمكن استنباطها منها ؛ لأنه لو أمكن هذا لكانت مبرهنة وليست مسلمة. أما الشرط الثالث فهو الكفاية، فلا بد أن تكون المسلمات كافية لاستنباط المبرهنات؛ أي النظريات المطلوبة.
الرياضياتي له الحق في فرض ما يراه من مصادرات، حتى وإن بدت متنافية مع الواقع التجريبي المحسوس أو غير مطابقة له؛ فقد يسلم بأن السطح مستو كما فعل إقليدس في القرن الثالث قبل الميلاد، أو بأنه مقعر كما فعل لوباتشيفسكي (1792-1856م)، أو بأنه محدب كما فعل ريمان
Shafi da ba'a sani ba