وقد بات مفهوم المنهج على العموم، ومفهوم المنهج العلمي على أخص الخصوص، في صدارة هذه المفاهيم أو اللبنات، منذ القرن التاسع عشر ومطالع القرن العشرين، وذلك حين أنجبت أم العلوم/الفلسفة مؤخرا، أو في مرحلة حديثة نسبيا من تاريخها الطويل، واحدا من أعز بنيها، المعبر عن روح التقدم المعرفي التي نحياها الآن؛ أي «فلسفة العلوم».
والمبحث الذي يتصدر مباحث فلسفة العلوم, وهو علم مناهج البحث أو الميثودولوجيا
Methodology ، إنه المبحث الفلسفي المعني بالمنهج العلمي على وجه التحديد، ويمكن اعتباره من أهم فروع الفلسفة المعاصرة، وفي الآن نفسه يمكن أن يفيد شتى العلوم.
لقد بات السبيل ممهدا لأن ندخل في صلب الموضوع: العلم ومنهجه.
الفصل الثالث
العلم والمنهج
(1) تعريف العلم الحديث ومعالمه
الرياضيات ملكة العلوم وهدية الله للعقل العلمي، وكان التآزر بين دقة لغة الرياضيات وصرامة وقائع التجريب، مفتاحا من مفاتيح النجاح المتوالي للعلم الحديث. على أن مفهوم «المنهج العلمي» حين يرد كمفرد علم بألف ولام العهد، يكون المقصود عادة هو المنهج التجريبي؛ منهج العلم التجريبي أو العلوم التجريبية. فهل يمكن قبلا تحديد مفهوم «العلم التجريبي» ذاته؟ ليس المنشود تعدادا وحصرا لفروعه ولشتى العلوم التجريبية، بل تحديدا للمفهوم يبلور طبيعته ويعكس ماهيته.
يمكن وضع تعريف للعلم التجريبي الحديث بأنه: منظومة ممنهجة من الأبحاث، التي تنتج وتعيد إنتاج وتطور وتعمم وتدقق وتنقح، قضايا ذات مضمون معرفي ومحتوى إخباري، ومقدرة توصيفية وقوة تفسيرية وطاقة تنبؤية، منصبة على ظواهر العالم التجريبي الواحد والوحيد الذي نحيا فيه، كمتمايز عن عالم الغيب، وأيضا عن عالم الفن وعالم الأيديولوجيا، وعالم التجارب العاطفية والشخصية ... إلخ.
1
Shafi da ba'a sani ba