Mafātīḥ al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Mai Buga Littafi
دار إحياء التراث العربي
Lambar Fassara
الثالثة
Shekarar Bugawa
١٤٢٠ هـ
Inda aka buga
بيروت
Nau'ikan
Tafsiri
لِأَنَّ الشَّيْطَانَ دَخَلَ فِي بَطْنِهَا وَتَكَلَّمَ، وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الشَّجَرَةَ إِنَّمَا انْقَلَعَتْ مِنْ أَصْلِهَا لِأَنَّ الشَّيْطَانَ اقْتَلَعَهَا، فَثَبَتَ أَنَّ الْقَوْلَ بِإِثْبَاتِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ يُوجِبُ الْقَوْلَ بِبُطْلَانِ نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ ﵈، وَأَمَّا إِثْبَاتُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِوَاسِطَةِ الدَّلِيلِ وَالنَّظَرِ فَهُوَ مُتَعَذِّرٌ، لِأَنَّا لَا نَعْرِفُ دَلِيلًا عَقْلِيًّا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ، فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ لَنَا إِلَى الْعِلْمِ بِوُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْقَوْلُ بِوُجُودِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بَاطِلًا، فَهَذِهِ جُمْلَةُ شُبَهِ مُنْكِرِي الْجِنِّ وَالشَّيَاطِينِ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأُولَى: بِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ الشُّبْهَةَ الَّتِي ذَكَرْتُمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ كَوْنُ الْجِنِّ جِسْمًا، فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ جوهر مجرد عن الجسمية/ وَالْجَوَابُ عَنِ الْأُولَى بِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ الشُّبْهَةَ الَّتِي ذَكَرْتُمْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَمْتَنِعُ كَوْنُ الْجِنِّ جِسْمًا فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: أَنَّهُ جَوْهَرٌ مُجَرَّدٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَائِلِينَ بِهَذَا الْقَوْلِ فِرَقٌ: الْأُولَى الَّذِينَ قَالُوا: النُّفُوسُ النَّاطِقَةُ الْبَشَرِيَّةُ الْمُفَارِقَةُ لِلْأَبْدَانِ قَدْ تَكُونُ خَيِّرَةً، وَقَدْ تَكُونُ شِرِّيرَةً، فَإِنْ كَانَتْ خَيِّرَةً فَهِيَ الْمَلَائِكَةُ الْأَرْضِيَّةُ، وَإِنْ كَانَتْ شِرِّيرَةً فَهِيَ الشَّيَاطِينُ الْأَرْضِيَّةُ، ثُمَّ إِذَا حَدَثَ بَدَنٌ شَدِيدُ الْمُشَابَهَةِ بِبَدَنِ تِلْكَ النُّفُوسِ الْمُفَارِقَةِ وَتَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْبَدَنِ نَفْسٌ شَدِيدَةُ الْمُشَابَهَةِ لِتِلْكَ النَّفْسِ الْمُفَارِقَةِ فَحِينَئِذٍ يَحْدُثُ لِتِلْكَ النَّفْسِ الْمُفَارِقَةِ ضَرْبُ تَعَلُّقٍ بِهَذَا الْبَدَنِ الْحَادِثِ، وَتَصِيرُ تِلْكَ النَّفْسُ الْمُفَارِقَةُ مُعَاوِنَةً لِهَذِهِ النَّفْسِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهَذَا الْبَدَنِ عَلَى الأعمال اللائقة بها، فإن كانت النفسان من النفوس الطاهرة المشرقة الْخَيِّرَةِ كَانَتْ تِلْكَ الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُعَاضَدَةُ إِلْهَامًا، وَإِنْ كَانَتَا مِنَ النُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ الشِّرِّيرَةِ كَانَتْ تِلْكَ الْمُعَاوَنَةُ وَالْمُنَاصَرَةُ وَسْوَسَةً، فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي الْإِلْهَامِ وَالْوَسْوَسَةِ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ.
الْفَرِيقُ الثَّانِي: الَّذِينَ قَالُوا: الْجِنُّ وَالشَّيَاطِينُ جَوَاهِرُ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الْجِسْمِيَّةِ وَعَلَائِقِهَا، وَجِنْسُهَا مُخَالِفٌ لِجِنْسِ النُّفُوسِ النَّاطِقَةِ الْبَشَرِيَّةِ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الْجِنْسَ يَنْدَرِجُ فِيهِ أَنْوَاعٌ أَيْضًا، فَإِنْ كَانَتْ طَاهِرَةً نُورَانِيَّةً فَهِيَ الْمَلَائِكَةُ الْأَرْضِيَّةُ، وَهُمُ الْمُسَمَّوْنَ بِصَالِحِي الْجِنِّ، وَإِنْ كَانَتْ خَبِيثَةً شِرِّيرَةً فَهِيَ الشَّيَاطِينُ الْمُؤْذِيَةُ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ: الْجِنْسِيَّةُ عِلَّةُ الضَّمِّ، فَالنُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ الطَّاهِرَةُ النُّورَانِيَّةُ تَنْضَمُّ إِلَيْهَا تِلْكَ الْأَرْوَاحُ الطَّاهِرَةُ النُّورَانِيَّةُ وَتُعِينُهَا عَلَى أَعْمَالِهَا الَّتِي هِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ وَالْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَالنُّفُوسُ الْبَشَرِيَّةُ الْخَبِيثَةُ الْكَدِرَةُ تَنْضَمُّ إِلَيْهَا تِلْكَ الْأَرْوَاحُ الْخَبِيثَةُ الشِّرِّيرَةُ وَتُعِينُهَا عَلَى أَعْمَالِهَا الَّتِي هِيَ مِنْ بَابِ الشَّرِّ وَالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.
الْفَرِيقُ الثَّالِثُ، وَهُمُ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ وُجُودَ الْأَرْوَاحِ السُّفْلِيَّةِ، وَلَكِنَّهُمْ أَثْبَتُوا وُجُودَ الْأَرْوَاحِ الْمُجَرَّدَةِ الْفَلَكِيَّةِ، وَزَعَمُوا أَنَّ تِلْكَ الْأَرْوَاحَ أَرْوَاحٌ عَالِيَةٌ قَاهِرَةٌ قَوِيَّةٌ، وَهِيَ مُخْتَلِفَةٌ بِجَوَاهِرِهَا وَمَاهِيَّاتِهَا، فَكَمَا أَنَّ لِكُلِّ رُوحٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ الْبَشَرِيَّةِ بَدَنًا مُعَيَّنًا فَكَذَلِكَ لِكُلِّ رُوحٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ الْفَلَكِيَّةِ بَدَنٌ مُعَيَّنٌ، وَهُوَ ذَلِكَ الْفَلَكُ الْمُعَيَّنُ، وَكَمَا أَنَّ الرُّوحَ الْبَشَرِيَّةَ تَتَعَلَّقُ أَوَّلًا بِالْقَلْبِ ثُمَّ بِوَاسِطَتِهِ يَتَعَدَّى أَثَرُ ذَلِكَ الرُّوحِ إِلَى كُلِّ الْبَدَنِ، فَكَذَلِكَ الرُّوحُ الْفَلَكِيُّ يَتَعَلَّقُ أَوَّلًا بِالْكَوَاكِبِ ثُمَّ بِوَاسِطَةِ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ يَتَعَدَّى أَثَرُ ذَلِكَ الرُّوحِ إِلَى كُلِّيَّةِ ذَلِكَ الْفَلَكِ وَإِلَى كُلِّيَّةِ الْعَالَمِ، وَكَمَا أَنَّهُ يَتَوَلَّدُ فِي الْقَلْبِ وَالدِّمَاغِ أَرْوَاحٌ لَطِيفَةٌ وَتِلْكَ الْأَرْوَاحُ تَتَأَدَّى فِي الشَّرَايِينِ وَالْأَعْصَابِ إِلَى أَجْزَاءِ الْبَدَنِ وَيَصِلُ بِهَذَا الطَّرِيقِ قُوَّةُ الْحَيَاةِ وَالْحِسُّ وَالْحَرَكَةُ إِلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْأَعْضَاءِ، فَكَذَلِكَ يَنْبَعِثُ مِنْ جِرْمِ الْكَوَاكِبِ خُطُوطٌ شُعَاعِيَّةٌ تَتَّصِلُ بِجَوَانِبِ الْعَالَمِ وَتَتَأَدَّى قُوَّةُ تِلْكَ الْكَوَاكِبِ بِوَاسِطَةِ تِلْكَ الْخُطُوطِ الشُّعَاعِيَّةِ إِلَى أَجْزَاءِ هَذَا الْعَالَمِ/ وَكَمَا أَنَّ بِوَاسِطَةِ الْأَرْوَاحِ الْفَائِضَةِ مِنَ الْقَلْبِ وَالدِّمَاغِ إِلَى أَجْزَاءِ الْبَدَنِ يَحْصُلُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ ذَلِكَ الْبَدَنِ قُوًى مُخْتَلِفَةٌ وَهِيَ الْغَاذِيَةُ وَالنَّامِيَةُ وَالْمُوَلِّدَةُ وَالْحَسَّاسَةُ- فَتَكُونُ هَذِهِ الْقُوَى كَالنَّتَائِجِ وَالْأَوْلَادِ
1 / 81