Mafātīḥ al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Mai Buga Littafi
دار إحياء التراث العربي
Lambar Fassara
الثالثة
Shekarar Bugawa
١٤٢٠ هـ
Inda aka buga
بيروت
Nau'ikan
Tafsiri
الْفَرْعُ الثَّالِثُ: الرَّجُلُ الَّذِي لَا يُحْسِنُ تَمَامَ الْفَاتِحَةِ إِمَّا أَنْ يَحْفَظَ بَعْضَهَا، وَإِمَّا أَنْ لَا يَحْفَظَ شَيْئًا مِنْهَا، أَمَّا الْأَوَّلُ: فَإِنَّهُ يَقْرَأُ تِلْكَ الْآيَةَ وَيَقْرَأُ مَعَهَا سِتَّ آيَاتٍ عَلَى الْوَجْهِ الْأَقْرَبِ وَأَمَّا الثَّانِي- وَهُوَ أَنْ لا يحفظ شيئًا من الفاتحة- فههنا إِنْ حَفِظَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ لَزِمَهُ قِرَاءَةُ ذلك المحفوظ، لقوله تعالى: فَاقْرَؤُا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ [الْمُزَّمِّلِ: ٢٠] وَإِنْ لَمْ يحفظ شيئًا من/ القرآن فههنا يَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ التَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، حُجَّةُ الشَّافِعِيِّ مَا
رَوَى رِفَاعَةُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَلْيَتَوَضَّأْ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، ثُمَّ يُكَبِّرْ، فَإِنْ كَانَ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَقْرَأْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَلْيُكَبِّرْ،
بَقِيَ هَاهُنَا قِسْمٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنْ لَا يَحْفَظَ الْفَاتِحَةَ وَلَا يَحْفَظَ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ وَلَا يَحْفَظَ أَيْضًا شَيْئًا مِنَ الْأَذْكَارِ الْعَرَبِيَّةِ، وَعِنْدِي أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَيِّ لِسَانٍ قَدَرَ عَلَيْهِ تَمَسُّكًا
بِقَوْلِهِ ﵊: «إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» .
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: نُقِلَ فِي الْكُتُبِ الْقَدِيمَةِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُنْكِرُ كَوْنَ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَانَ يُنْكِرُ كَوْنَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مِنَ الْقُرْآنِ، وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ، لِأَنَّا إِنْ قُلْنَا إِنَّ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ كَانَ حَاصِلًا فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ بِكَوْنِ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مِنَ الْقُرْآنِ فَحِينَئِذٍ كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ عَالِمًا بِذَلِكَ فَإِنْكَارُهُ يُوجِبُ الْكُفْرَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ النَّقْلَ الْمُتَوَاتِرَ فِي هَذَا الْمَعْنَى مَا كَانَ حَاصِلًا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ فَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يُقَالَ إِنَّ نَقْلَ الْقُرْآنِ لَيْسَ بِمُتَوَاتِرٍ فِي الْأَصْلِ وَذَلِكَ يُخْرِجُ الْقُرْآنَ عَنْ كَوْنِهِ حُجَّةً يَقِينِيَّةً، وَالْأَغْلَبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ نَقْلَ هَذَا الْمَذْهَبِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ نَقْلٌ كَاذِبٌ بَاطِلٌ، وَبِهِ يَحْصُلُ الْخَلَاصُ عَنْ هَذِهِ الْعُقْدَةِ، وَهَاهُنَا آخِرُ الْكَلَامِ فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ الْمُفَرَّعَةِ عَلَى سُورَةِ الْفَاتِحَةِ وَاللَّهُ الْهَادِي لِلصَّوَابِ.
الْبَابُ الْخَامِسُ فِي تَفْسِيرِ سورة الفاتحة، وفيه فصول
الفصل الأول: تفسير «الحمد لله»:
فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَفِيهِ وُجُوهٌ: الْأَوَّلُ: هَاهُنَا أَلْفَاظٌ ثَلَاثَةٌ: الْحَمْدُ، وَالْمَدْحُ وَالشُّكْرُ، فَنَقُولُ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْحَمْدِ وَالْمَدْحِ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّ الْمَدْحَ قَدْ يَحْصُلُ لِلْحَيِّ وَلِغَيْرِ الْحَيِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ رَأَى لُؤْلُؤَةً فِي غَايَةِ الْحُسْنِ أَوْ يَاقُوتَةً فِي غَايَةِ الْحُسْنِ فَإِنَّهُ قَدْ يَمْدَحُهَا، وَيَسْتَحِيلُ أَنْ يَحْمَدَهَا، فَثَبَتَ أَنَّ الْمَدْحَ أَعَمُّ مِنَ الْحَمْدِ الْوَجْهُ الثَّانِي: فِي الْفَرْقِ: أَنَّ الْمَدْحَ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ الْإِحْسَانِ وَقَدْ يَكُونُ بَعْدَهُ، أَمَّا الْحَمْدُ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْإِحْسَانِ الْوَجْهُ الثَّالِثُ: فِي الْفَرْقِ: أَنَّ الْمَدْحَ قَدْ يَكُونُ مَنْهِيًّا عَنْهُ،
قَالَ ﵊: «احْثُوا التُّرَابَ فِي وُجُوهِ الْمَدَّاحِينَ»
أَمَّا الْحَمْدُ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ مُطْلَقًا،
قَالَ ﷺ: «مَنْ لَمْ/ يَحْمَدِ النَّاسَ لَمْ يَحْمَدِ اللَّهَ»
الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ الْمَدْحَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقَوْلِ الدَّالِّ عَلَى كَوْنِهِ مُخْتَصًّا بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْفَضَائِلِ، وَأَمَّا الْحَمْدُ فَهُوَ الْقَوْلُ الدَّالُّ عَلَى كَوْنِهِ مُخْتَصًّا بِفَضِيلَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وَهِيَ فَضِيلَةُ الْإِنْعَامِ وَالْإِحْسَانِ فَثَبَتَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمَدْحَ أَعَمُّ مِنَ الْحَمْدِ.
1 / 190