Mafātīḥ al-Ghayb
مفاتيح الغيب
Mai Buga Littafi
دار إحياء التراث العربي
Lambar Fassara
الثالثة
Shekarar Bugawa
١٤٢٠ هـ
Inda aka buga
بيروت
Nau'ikan
Tafsiri
الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، فَلَوْ كَانَتْ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ نَفْسَ الْقُرْآنِ لَقَالَتِ النَّصَارَى إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ إِنَّمَا أَخَذْتَهُ مِنْ عَيْنِ الْإِنْجِيلِ، وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ هَذَا عَلِمْنَا أَنَّ تَرْجَمَةَ الْقُرْآنِ لَا تَكُونُ قُرْآنًا.
الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ: أَنَّا إِذَا تَرْجَمْنَا قَوْلَهُ تَعَالَى: فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ [الكهف: ١٩] كان ترجمته بفرستيد يكى أز شما با نقره بشهر پس بنگرد كه كدام طعام بهترست پاره أز آن بياورد، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ النَّاسِ لَفْظًا وَمَعْنَى فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ الصَّلَاةُ بِهِ،
لِقَوْلِهِ ﵊: «إِنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ»،
وَإِذَا لَمْ تَنْعَقِدِ الصَّلَاةُ بِتَرْجَمَةِ هَذِهِ الْآيَةِ فَكَذَا بِتَرْجَمَةِ سَائِرِ الْآيَاتِ، لِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ، وَأَيْضًا فَهَذِهِ الْحُجَّةُ جَارِيَةٌ فِي تَرْجَمَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [الْقَلَمِ: ١١] إِلَى قَوْلِهِ: عُتُلٍّ بَعْدَ ذلِكَ زَنِيمٍ [القلم: ١٣] فإن ترجمتها لا تَكُونُ شَتْمًا مِنْ جِنْسِ كَلَامِ النَّاسِ فِي اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها [الْبَقَرَةِ: ٦١] فَإِنَّ تَرْجَمَةَ هَذِهِ الْآيَةِ تَكُونُ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ النَّاسِ لَفْظًا وَمَعْنًى، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إِذَا قَرَأْنَا عَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لِأَنَّهَا بِحَسَبِ تَرْكِيبِهَا الْمُعْجِزِ وَنَظْمِهَا الْبَدِيعِ تَمْتَازُ عَنْ كَلَامِ النَّاسِ وَالْعَجَبُ مِنَ الْخُصُومِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ لَوْ ذَكَرَ فِي آخِرِ التَّشَهُّدِ دُعَاءً يَكُونُ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ النَّاسِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ثُمَّ قَالُوا: تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِتَرْجَمَةِ هَذِهِ الْآيَاتِ مَعَ أَنَّ تَرْجَمَتَهَا عَيْنُ كَلَامِ النَّاسِ لَفْظًا وَمَعْنًى.
الْحُجَّةُ الْعَاشِرَةُ:
قَوْلُهُ ﵊: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ كُلُّهَا شافٍ كافٍ،
وَلَوْ كَانَتْ تَرْجَمَةُ الْقُرْآنِ بِحَسَبِ كُلِّ لُغَةٍ قُرْآنًا لَكَانَ قَدْ أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، لِأَنَّ عَلَى مَذْهَبِهِمْ قَدْ حَصَلَ بِحَسَبِ كُلِّ لُغَةٍ قُرْآنٌ عَلَى حِدَةٍ، وَحِينَئِذٍ لَا يَصِحُّ حَصْرُ حُرُوفِ الْقُرْآنِ فِي السَّبْعَةِ» .
الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِجَمِيعِ الْآيَاتِ، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَ فِي التَّوْرَاةِ آيَاتٌ كَثِيرَةٌ مُطَابِقَةٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَمِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِ/ الْآخِرَةِ وَتَقْبِيحِ الدُّنْيَا. فَعَلَى قَوْلِ الْخَصْمِ تَكُونُ الصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ بِقِرَاءَةِ الْإِنْجِيلِ وَالتَّوْرَاةِ، وَبِقِرَاءَةِ زَيْدٍ وَإِنْسَانٍ، وَلَوْ أَنَّهُ دَخَلَ الدُّنْيَا وَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ وَلَمْ يَقْرَأْ حَرْفًا مِنَ الْقُرْآنِ بَلْ كَانَ مُوَاظِبًا عَلَى قِرَاءَةِ زَيْدٍ وَإِنْسَانٍ فَإِنَّهُ يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى مُطِيعًا وَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يَلِيقُ بِدِينِ الْمُسْلِمِينَ.
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: أَنَّهُ لَا تَرْجَمَةَ لِلْفَاتِحَةِ إِلَّا نَقُولَ الثَّنَاءُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَرَحْمَانِ الْمُحْتَاجِينَ وَالْقَادِرِ عَلَى يَوْمِ الدِّينِ أَنْتَ الْمَعْبُودُ وَأَنْتَ الْمُسْتَعَانُ اهْدِنَا إِلَى طَرِيقِ أَهْلِ الْعِرْفَانِ لَا إِلَى طَرِيقِ أَهْلِ الْخِذْلَانِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ تَرْجَمَةَ الْفَاتِحَةِ لَيْسَتْ إِلَّا هَذَا الْقَدْرَ أَوْ مَا يَقْرُبُ مِنْهُ فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا خُطْبَةَ إِلَّا وَقَدْ حَصَلَ فِيهَا هَذَا الْقَدْرُ فَوَجَبَ أَنْ يُقَالَ الصَّلَاةُ صَحِيحَةٌ بِقِرَاءَةِ جَمِيعِ الْخُطَبِ، وَلَمَّا كَانَ بَاطِلًا عَلِمْنَا فَسَادَ هَذَا الْقَوْلِ.
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: لَوْ كَانَ هَذَا جَائِزًا لَكَانَ قَدْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ فِي أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْآنَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَيُصَلِّيَ بِهَا، وَلَكَانَ قَدْ أَذِنَ لِصُهَيْبٍ فِي أَنْ يَقْرَأَ بِالرُّومِيَّةِ، وَلِبِلَالٍ فِي أَنْ يَقْرَأَ بِالْحَبَشِيَّةِ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ مَشْرُوعًا لَاشْتَهَرَ جَوَازُهُ فِي الْخَلْقِ فَإِنَّهُ يُعَظَّمُ فِي أَسْمَاعِ أَرْبَابِ اللُّغَاتِ بِهَذَا الطَّرِيقِ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُزِيلُ عَنْهُمْ إِتْعَابَ النَّفْسِ فِي تَعَلُّمِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَيَحْصُلُ لِكُلِّ قَوْمٍ فَخْرٌ عَظِيمٌ فِي أَنْ يَحْصُلَ لَهُمْ قُرْآنٌ بلغتهم الخاصة، ومعلوم أن تجويز يُفْضِي إِلَى انْدِرَاسِ الْقُرْآنِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَذَلِكَ لَا يقوله مسلم.
1 / 185