رؤيتي، كما لو كانت تتساقط عني.
ولا بد لنا لكي نفهم هذا الجواب الغريب أن ننتبه إلى أن الرؤيا أو المشاهدة ليست مجرد تطلع سلبي، بل إنها قد تكون فعلا إيجابيا خلاقا؛ فالمثل الأفلاطونية لا ترى كما لو كانت أشياء ماثلة أمامنا؛ لأن وجودها يختلف عن وجود الأشياء في العالم الحسي، ولا تتصور كما لو كانت محض خيال أو وهم، بل هي ترى بفعل فريد من أفعال الرؤية والمشاهدة العقلية الخالصة،
35
ويأتي أفلوطين فيؤكد هذا العنصر الخلاق الكامن في كل رؤية، ويذهب إلى أن كل ما هو موجود - من أدنى درجات المادة إلى أسمى درجات العقل - إنما ينشأ عن الرؤية والمشاهدة.
الطبيعة تقول للسائل: خير لك ألا تسأل، بل أن تفهم أنت نفسك في صمت كيف أنني أيضا أخلد إلى الصمت وليس من عادتي الكلام. والطبيعة لا تقول هذا لأنها أدنى درجات الحياة وأقلها حظا من الوعي والشعور فحسب، بل لأن سر الطبيعة وسر الحياة لا يمكن التعبير عنه بالكلمات، وبالتالي لا يمكن أن يكون موضوعا للتفكير، ونسأل أفلوطين: وما هو السبب؟ فيجيب: لأن السر يرى في صمت؛ لأنه رؤيا (وربما كان هذا هو الذي جعله يوضح صدور الموجودات عن الواحد عن طريق ما سماه بالفيض أو الإشعاع، أي عن طريق صورة حسية لا عن طريق فكرة عقلية).
وقد نعود فنسأل: وما الذي يجعل الأشكال والماهية التي تراها قوة الطبيعة تخرج إلى الوجود المادي؟ فيقول: إن ذلك نتيجة ضعف الرؤية لدى الطبيعة، ثم يفسر ذلك بمثال مستمد من السلوك البشري حين يقول:
لأن البشر أيضا، حين يفقدون القدرة على الرؤية، ينتجون
ظلا للرؤية وللعقل، هو الفعل والسلوك.
فالفعل عند أفلوطين لا يصدر عن القوة بقدر ما يصدر عن الضعف، وهو يوضح ذلك فيقول:
ذلك لأنهم نتيجة لضعف في نفوسهم لا يستطيعون أن يستسلموا للرؤية
Shafi da ba'a sani ba