قلنا: إن النفس تعلو درجة درجة إلى الواحد، وأفلوطين يصور هذا العلو في حديثه عن المشاهدة، وذلك في رسالته الثالثة الهامة،
27
ولا يصح أن يفوتنا هنا الإشارة إلى أن المشاهدة (ثيوريا)
28
تلعب دورا هاما في تاريخ الفلسفة اليونانية، وبالأخص في عصرها الذهبي الرائع عند أفلاطون وأرسطو. والفعل من هذه الكلمة يعني التفرج في المسرح والمشاركة في طقوس العبادة؛ فأصبح بعد ذلك يستخدم للدلالة على علاقة الإنسان بالحقيقة، بحيث يكون أسمى ما يصل إليه هو مشاهدتها والتملي منها، وليس غريبا بعد ذلك أن يعود أفلوطين إلى هذه الكلمة ذات التاريخ الطويل؛ ليصور ارتفاع النفس إلى الواحد، ويبالغ في معناها إلى الحد الذي تخالف به مفهومها القديم.
فالمشاهدة تكتسب عند أفلوطين معنى أنطولوجيا (وجوديا) شاملا، يفوق بكثير ما كانت عليه عند أفلاطون وأرسططاليس، وتصبح شكلا أساسيا للموجود على وجه الإطلاق، إنه يؤكد شمول المشاهدة في بداية رسالته التي ذكرناها فيما تقدم، وذلك حين يتحدث في مطلع هذه الرسالة عن التقابل بين الهزل واللعب، ويذهب إلى أن كل سلوك الإنسان من لعب الصبي إلى جد الرجل، ومن الفعل الذي يشبع به حاجاته الضرورية إلى الفعل الذي يتجه في حرية إلى الباطن؛ إنما ينبع من مصدر واحد هو النزوع إلى المشاهدة. ويستطرد أفلوطين فيعمم هذه الفكرة على دائرة الوجود كلها، بين درجته الدنيا «وهي الطبيعة»
29
إلى الدرجة التي تليها «وهي النفس»
30
ثم إلى العقل
Shafi da ba'a sani ba