الوحدة تقابلنا في كل مكان، كل ما هو موجود فهو واحد، وليس في الوجود شيء واحد يمكن أن يقال عنه إنه متحد مع شيء آخر من جميع الوجوه «حتى الأوراق على الشجرة الواحدة ليس بينها ورقة واحدة يمكن أن يقال عنها إنها هي نفسها الورقة الأخرى، كما لاحظ ليبنتس بحق.» ونحن لا نستطيع أن نرى شيئا أو نفكر في شيء إلا إذا رأينا على وجه من الوجوه أنه واحد وأدركنا أنه وحدة بمعنى من المعاني، كل موجود فهو إذن واحد على الدوام، ولكن كل موجود في نفس الوقت هو أيضا كثير. فالنفس مثلا واحدة؛ لأنها تتلقى هذه الوحدة من الواحد وتشارك فيها، ولكنها في نفس الوقت كثيرة؛ إذ تنطوي على قوى متعددة كالفكر والنزوع والإدراك، تتحد بدورها ويؤلف بينها الواحد (6-9، 1-2، ص173) حتى أبسط مضمونات الفكر - كالوجود أو الوحدة مثلا - تحتوي دائما على الكثرة، وإذن فكل ما هو موجود فهو واحد وكثير في وقت واحد، أو هو كثرة ألفت بينها وحدة، وإذا كان هناك ما لا حصر له من الموجودات الكثيرة، فهناك أيضا ما لا حصر له من الموجودات الواحدة.
كل الوحدات إذن هي دائما واحدة على نحو نسبي، أي أنها ليست واحدة بشكل مطلق، بل هي واحدة من ناحية وكثيرة من ناحية أخرى.
ولكن أفلوطين يفكر في «الأصل»؛ فيرى أنه واحد مطلق، ولا بد أن تكون هذه الوحدة التي يعنيها شيئا مختلفا تمام الاختلاف عما كان يقصد بها من قبل، إنها لم تعد تفهم عن طريق الإيجاب، بل عن طريق السلب؛ فهي بهذا المعنى الجديد ما ليس بكثير، إنه يتحدث في هذا المقام عن «رفض» الكثير أو تجريده، ويشير إلى الرمز الفيثاغوري عن أبوللون
9
أو غير الكثير
10
كما يتحدث عن الهروب من الكثرة والتقسيم،
11
وليست الوحدة هنا مفهوما عدديا-كميا ولا مكانيا، ولا هي بالمعنى الذي نفهمه من الواحد حين نذكر العدد «1»، ولا بمعنى النقطة حين نقصد منها العنصر المكون للمكان؛ ذلك أن الواحد عند أفلوطين ليس عنصرا من العناصر المكونة للعالم، بل هو «الآخر» المختلف عن كل ما هو عالمي أو من العالم.
النقطة والعدد وكل ما هو موجود وكل وحدة يمكن أن تتعدد وتتكاثر، أما الواحد فهو ما يختلف عن كل كثرة ووحدة، وما لا يمكن أن يتعدد على أي نحو من الأنحاء؛ ذلك أنه الوحيد على وجه الإطلاق؛ فهو إذن ليس كثرة ولا وحدة على هذا المعنى، بل هو وراء هذه التفرقة كلها. والواحد باعتباره الأصل في كل موجود لا يمكن أن يكون هو نفسه موجودا، أي لا يمكن أن يكون «هذا»
Shafi da ba'a sani ba