[فَصْلٌ فِي كَيْفِيَّةِ مُحَاوَلَةِ الْأَعْمَالِ كُلِّهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى الْوُجُوبِ أَوْ إلَى النَّدْبِ]
ِ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ عَنْهُ ﷺ إخْبَارًا عَنْ رَبِّهِ ﷿ يَقُولُ:: «لَنْ يَتَقَرَّبَ إلَيَّ الْمُتَقَرِّبُونَ بِأَحَبَّ مِنْ أَدَاءِ مَا افْتَرَضْته عَلَيْهِمْ ثُمَّ لَا يَزَالُ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْته كُنْت سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا» .
قَالَ عُلَمَاؤُنَا رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَبْقَى تَصَرُّفُهُ كُلُّهُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِغَيْرِهِ، فَإِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ لِلَّهِ وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ لِلَّهِ وَإِنْ نَظَرَ نَظَرَ لِلَّهِ وَإِنْ غَضَّ طَرْفَهُ غَضَّهُ لِلَّهِ وَإِنْ بَطَشَ بَطَشَ لِلَّهِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ، وَقَدْ كَانَ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الْمَرْجَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَقُولُ: إنَّ الْفَقِيرَ حَالُهُ بَيْنَ الْبَاءِ وَالْأَلْفِ يَعْنِي أَنَّ حَرَكَاتِهِ وَسَكَنَاتِهِ خَالِصَةٌ لِرَبِّهِ قَائِمًا فِيهَا بِهِ إذْ أَنَّهُ لَا يَدَّعِي لِنَفْسِهِ شَيْئًا فَهُوَ بِهِ وَإِلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَمَلَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْهُمْ قَوْلَ الْحَلَّاجِ ﵀ وَنَفَعَ بِهِ لِمَا قِيلَ: لَهُ أَيْنَ اللَّهُ قَالَ: فِي الْجُبَّةِ يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ فِي الْجُبَّةِ الَّتِي عَلَيْهِ لِنَفْسِهِ تَصَرُّفٌ، وَإِنَّمَا التَّصَرُّفُ كُلُّهُ لِلَّهِ وَبِاَللَّهِ عَلَى مُقْتَضَى مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ الَّذِي نَحْنُ بِسَبِيلِهِ فَأَفْتَى مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ فِي وَقْتِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَالصَّالِحِينَ بِقَتْلِهِ؛ تَحَفُّظًا مِنْهُمْ عَلَى مَنْصِبِ الشَّرِيعَةِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لَهُ غَيْرُ مُحَقِّقٍ فَيَدَّعِي شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأُمُورِ وَيَجْعَلَ قُدْوَتَهُ فِي ذَلِكَ الْحَلَّاجَ ﵁ أَعَادَ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِهِمْ بِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ حَقِيقَةُ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: «تَخَلَّقُوا بِأَخْلَاقِ اللَّهِ» .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَهْلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: " مَنْ انْتَقَلَ مِنْ نَفَسٍ إلَى نَفَسٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ فَقَدْ ضَيَّعَ وَأَدْنَى مَا يَدْخُلُ عَلَى مَنْ ضَيَّعَ دُخُولُهُ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ وَتَرْكُهُ مَا يَعْنِيهِ، وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الذِّكْرَ عَلَى قِسْمَيْنِ: ذِكْرٌ بِاللِّسَانِ وَذِكْرٌ بِالْقَلْبِ، وَهُوَ مَا يَحْتَوِي عَلَيْهِ مِنْ النِّيَّاتِ وَمِنْ الْوُقُوفِ مَعَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَنُقِلَ
1 / 21