وكان سكان زحلة الأولون من اللبنانيين، ومن الفرزل وأبلح ممن حدثت بينهم وبين الأمراء الحرفوشيين الشيعيين موقعة قتل فيها أمير منهم، فتحاملوا عليهم، فجاء المتهمون إلى الأمراء اللمعيين وسكنوا في مقاطعاتهم بزحلة، فرفعوا عنهم تعديات الحرفوشيين. وكانت أسرة الحاج شاهين المعروفة بسلالة إبراهيم الحنا النصراني قد تبعت السلطان سليم العثماني فاتح سورية سنة 1517م من مسقط رأسها كفربهم قرب حماه إلى سورية المجوفة (البقاع وبعلبك)، فأقطعها قرية ترحين قرب عرجموش، وترك لها الأموال الأميرية ببراءة كانت في أيدي أبنائها سلموها إلى حكومة دمشق، وحدث في تلك الأثناء بينها وبين السياد في بر إلياس خصام استفحل أمره، فتركوا ترحين وجاءوا زحلة واستوطنوها. وكان بنو شحادة الخوري صعب من بعلبك وغيرهم من البعلبكيين قد تركوا بعلبك؛ لجور الحرفوشيين وسكنوا زحلة، فاجتمع من هؤلاء مستعمرة صغيرة مسيحية في إقطاع الأمراء اللمعيين مع المتنيين، فضلا عمن كان في البلدة من الدروز كالحواطمة وبني القنطار وبني حسان. ومن المسلمين كبني الطرابلسي الذين سكنوا إذ ذاك في حي مارتقلا «الآن»، ثم انتقلوا إلى دمشق بعد ذلك ولم يبق منهم أحد في زحلة . فهكذا بدأت زحلة الحديثة تعمر وتنمو.
وكان إذا أراد أحد من المهاجرين أن يقطن زحلة يستأذن الأمير الذي يريد أن يحل في حارته أو حوشه، فيعطيه محل البيت وجائزا (جسرا) من الصنوبر وروافد (ما يوضع على الجسور لسقف البيت)، فيصير هو وعيلته خاصا بالأمير ومن عهدته، فيأخذ منه كل سنة أربع مصاري
20
مال عنقه. وكانوا يقطعون الأشجار القديمة؛ ليعمروا محلها لكثرة الأدغال والحراج.
وكان الأمير يرسل من قبله وكيلا أو دهقانا (خوليا) يدير حوشه، ويقضي حاجات عهدته، وكثيرا ما يزور زحلة ترويحا للنفس ومشارفة لأعمال وكلائه. ويصطاد في المدينة الكثيرة الأطيار والوحوش. وقد جاء مرة الأمير مراد بن شديد اللمعي ليصطاد ويستثمر غلة زروعه؛ لأن الزرع كان في السهل والجبل والدياسة على البيادر، التي هي باقية إلى اليوم بجوار السراي. وكان عنده باز مولع به كثيرا يستخدمه للصيد. فوقع مرة في جداد (هيش) قرب الأنزال (اللوكندات) الحديثة حذاء عين الدويليبي اليوم. ولحب الأمير إياه وحرصه عليه أمر أن تقطع مشتبكات النباتات، حيث سقط ويفتش عليه، فوجد ذلك البازي في قنطرة طاحون قديمة سالما، فأخرج وانتبه الأمير إلى إقامة طاحون على أنقاض القديمة، فبناها وسميت باسمه؛ أي طاحون مراد وهي إلى اليوم، فكانت أول طاحون شيدت في هذا القرن بعد استعمار زحلة الأخير.
وسنة 1720 نقل المطران أفتيموس فاضل المعلولي الكاثوليكي داره الأسقفية من الفرزل إلى زحلة، وابتنى له فيها دارا صغيرة. وفي هذه الأثناء بني رهبان مار يوحنا الشوير دير مار إلياس بقلب البلدة، وهو الذي أعطوه للمخلصية بعد ذلك.
21
وسنة 1740 بنيت كنيسة للكهنة غير الرهبان قرب تلك الأحواش باسم القديس جاورجيوس، التي هي الآن بيد الرهبان الحلبيين الكاثوليكيين، ووسعت سيدة الزلزلة للروم الأرثوذكس.
وسنة 1741 حدثت موقعة بين الأمير ملحم الشهابي حاكم لبنان وأسعد باشا العظم والي دمشق في البقاع، فانهزم عسكر دمشق فتأثره عسكر الأمير إليها، ثم رجع فأحرق قرى البقاع، وكان في عسكره بعض الزحليين.
وسنة 1743 حصل اختلاف بين الأمير ملحم والأمراء اللمعيين، ثم تصالحوا بعد أن لحق الزحليين خسائر.
Shafi da ba'a sani ba