وفي أيام الصليبيين أقيمت المراقب في هذا السهل على مشارف جباله وتلال سهوله، كما كانت بزمن الرومانيين وغيرهم لمنع الاعتداء.
وبعد الصليبيين كثرت المخافر في هذه الجهات مثل غيرها؛ منعا لدخول الإفرنج إلى البلاد ثانية، وفي أوائل القرن الرابع عشر للميلاد كان بريد خيل من بيروت إلى خان الحصين قرب بحمدون، ومنه إلى قرية زبدل فحان ميسنون فدمشق لنقل الأخبار، وكان حمام الزاجل (الرسائل) يطير بين بيروت ودمشق وغيرهما للمفاوضات، فهو تلغرافهم النهاري. أما تلغرافهم الليلي فالنيران موقدة على قمم الجبال، كما مر آنفا، وهو من بيروت إلى بيت مري فالكنيسة (بوارج) فجبل يبوس أو جبل الشيخ بقربة فجبل قاسيون (الصالحية) فوق دمشق فقلعة دمشق، وهكذا كان هذا السهل وصلة بين السواحل والمدن الداخلية.
وفيه مر كثير من التجار الأقدمين ناقلين تجاراتهم من جهة صور وصيداء وبيروت وطرابلس إلى دمشق وتدمر وحمص وحماه وحلب فبغداد وما وراءها. وكان أحد فروع تجارة فينيقية الشهيرة إلى بابل ونينوى يمر من صور إلى البقاع أو دمشق، وكان هذا السهل مخيم الفاتحين والغزاة في كل عصر، فنزل في مشارفه وسفوحه الأشوريون والكلدان والحثيون والفرس والمصريون واليونان والأيطوريون والرومان والسكيثيون والعرب والصليبيون والتتر والترك، وفيه مر عبدة الأوثان لزيارة عاصمتهم بعلبك، وفيه جرت الاحتفالات الكثيرة والأساطير الوثنية والمواقع الحربية. وبعض الأقاصيص القديمة ولا سيما ما تعلق منها بالآباء الأولين كما مر.
وفي هذا السهل نقلت أعمدة الحجر المانع أو الرخام المحبب أو أبي حبة
Granit
من معادنها في أصوان إلى هياكل سورية كبعلبك وتدمر، أما من طريق العاقورة على اليمونة أو من مضيق البقاع الجنوبي، ومن هذه الجهة كان النقل أسهل لاستواء الأرض وقلة ارتفاعها، وبعضهم يسمي هذا الحجر بالصواني وهو تحريف الأسواني. وكانت أهم مدن هذه البقعة بعلبك وخلقيس (عين الجر) وأبيلية (سوق وادي بردى)، حتى إنها كانت ممالك صغيرة آرامية قديمة جدا. أما بعلبك فكانت أزهر مدن البقاع؛ لوقوعها على طريق القوافل بين صور وتدمر تجاريا، ولكونها عاصمة الوثنية دينيا، ففي هياكلها جميع عباداتها على اختلاف أنواعها. وكانت دمشق مدة طويلة عاصمة سورية المجوفة، ولا سيما بزمن الآراميين أقدم سكان هذه الجهة، وعلى الجملة فإن سورية المجوفة أو وادي البقاع أشبه في آثارها القديمة بوادي الفرات في آسيا الصغرى وبوادي النيل في القطر المصري.
هوامش
زحلة الحديثة ووقائعها في القرن الثامن عشر
روى بعضهم أن زحلة هي أبلية ليسانيوس، وقد مر تفنيد هذا الزعم. والصحيح أن أبلية هي سوق وادي بردى. وقال آخرون : إنها سلفكية (سلوقية). والصحيح أن سلوقية هي السويدية على مصب العاصي. كان فيها كرسي أسقفية فلما دخل العرب الشام نقل الروم مقر هذه الأسقفية إلى قرية معلولا، وبقي اسمها سلفكية
1
Shafi da ba'a sani ba