و«الدباغة» ومن أقدم المشتغلين بها بنو الأبرص وريا وحافظ على الطريقة البسيطة، وأول من أدخل إليها الدباغة الإفرنجية هو إبراهيم زيدان القاصوف الذي ذهب إلى الأستانة وأثينة وعاد متفوقا فيها، فأسس معملا سنة 1879، هو الآن بإدارة شقيقه حبيب وولده خليل، وهو بغاية الإتقان يدبغ فيه الساتنه وغيره، ومن أهم المعامل أيضا معمل عيد سابا فرح وأولاد نقولا سابا، وسليمان الأبرص، وحبيب غنطوس وغيرهم.
و«البناء» وكان أولا باللبن وبعد سنة 1860 جاء كل من طنوس أبي نادر صوايا وحنا أبي ليلى صوايا من الشوير فعمرا البيوت والكنائس بالحجر، فالثاني عاد إلى الشوير والأول بقي في زحلة، واشتهر بعده ولداه أسعد ونعوم ولا سيما راجي بن أسعد. ومن مشاهير بنائي زحلة القدماء والحديثين موسى البريدي وولداه عبد الله ونعمان ونقولا القرعوني وابن عمه مخول وخليل الطباع وإبراهيم فرج حريز وغيرهم.
و«النجارة» لم تكن هذه الصناعة متقنة كثيرا في القديم، ومن البارعين فيها إذ ذاك أبو عساف جرجس أبو زيان ويوسف المعقر، وسنة 1900 أنشئ معمل الخواجات مخايل وإبراهيم أبي عفش لجميع أنواع النجارة الإفرنجية (الموبيليا)، مما تحتاج إليه البيوت على الطرز الحديث، وكان الفضل في إنشائه لأحدهم المرحوم إبراهيم الذي توفي سنة 1906، وبعد وفاته اشترك شقيقه مع صهره الخواجة يوسف الحمصي، وصار المعمل باسم عفش وحمصي وعملته نحو أربعين وصناعته متقنة كل الإتقان. «عصر الخمر واستقطار العرق» كان أبو موسى إلياس الخياط وإلياس رابيه أول من استقطرا العرق وعصرا النبيذ الفاخر، وكانا ينقلان ذلك إلى العساكر الفرنسية المخيمة في عكاء، ويبيعانه لهم في مطلع القرن التاسع عشر. ثم أتقن ذلك موسى بن إلياس الخياط المذكور على يد الأخ بوناتشينا اليسوعي الذي قتل سنة 1860 كما مر ، ولن يزال بنوه يعملون الصنفين إلى يومنا، وقد ذكرت دائرة المعارف العربية جودة العرق الزحلي في الجزء العاشر صفحة 199، وزحلة تصدر الآن إلى الولايات العثمانية نحو ألف قنطار عرق في السنة وهو مورد ذو شأن، وأنشئت له معامل منذ القديم منها معمل حبيب أبي صيبعه وولده فارس ومراد داود ويوسف المعقر وحبيب سرور وبني الخياط ويوسف الراسي وجرجس غنطوس، وبعضها يحضر المشاريب الإفرنجية كالكنياك وغيره.
ومن صناعات زحلة المفيدة «نسج البسط المنقوشة والعباءات» (العبي) الصوفية بحرير مقصب، وأول من عملها أبو مخول الحمصي وولده مخول ثم أبطلت. وعمل اللبد (اللباد) والسروج والجلالات وغيرها مما لم نتوفق إلى معرفة شيء من تأريخها، وقد فصلنا أشياء كثيرة من هذا القبيل في كتابنا «دواني القطوف» صفحة 119.
إن تجارة زحلة الوطنية أهمها جلب الأغنام والحنطة والصوف والسوس، فضلا عن الاتجار بالبضائع والأصناف الأخرى، وقد امتدت علاقاتها بزمن الطيبيي الذكر المطران أغناطيوس العجوري والمطران باسيليوس شاهيات إلى حلب، واتصلت إلى أرض روم وبقية البلاد السورية. أما الآن فانحطت تجارتها ببعض الأصناف المذكورة لكثرة المزاحمين وللمهاجرة، وقد اشتهر الزحليون بأسفارهم البعيدة وتحملهم المشاق.
أما تجارتهم في المهجر فهي راقية في هذه الأيام، وقلما يذكر التجار السوريون في عواصم ومدن أميركة الشمالية والجنوبية وأوسترالية والترنسڤال ومصر، ولا يكون بين مشاهيرهم الزحليون وهم كثيرون.
إلى غير ذلك مما لا محل الآن لتفصيله بعد أن امتد بنا نفس الكلام إلى هذا الحد، وتقاضانا محبو المطالعة إنجاز هذا التأريخ رغبة في مطالعته وتشوفا للوقوف على مباحثه مما لم ينشر بعد عن هذه المدينة المحبوبة.
هوامش
استدراكات
(1)
Shafi da ba'a sani ba