وفعلا أصدر السادات أمره باختراق الحدود الليبية واختيار 23 يوليو بالذات وقاعدة جمال عبد الناصر ليضربها ويدمرها انتقاما لمؤامرة اغتياله. ولماذا نذهب بعيدا؟ إن معظم المعارك الطائفية التي تدور في لبنان معارك مدبرة بحيث كلما هدأت الأحوال بين هذه الطائفة أو تلك فوجئنا بعربة ملغمة تنسف في الحي الشرقي من بيروت أو الغربي، وتقوم قيامة الانتقام، وتلغيم السيارات من الناحية الأخرى ... وهكذا وهكذا بين أمل والمقاومة، أقول: كانت حرب 56 ثم حرب 67 المدبرة بإحكام أشد، ثم ثغرة الدفرسوار بعد العبور المنتصر، ثم زيارة القدس وما أسفرت عنه من نجاح ساحق في مقاطعة الدول العربية والإسلامية لمصر، ليس مصر الرسمية فقط وإنما مصر بمؤسساتها ومكانتها ودورها ... إلى حد وصل إلى طرد مصر من المؤتمر الإسلامي نفسه، مصر الأزهر، مصر محمد عبده والمراغي والإمام الشافعي، مصر الحسين والسيدة زينب ورفاعة الطهطاوي وهيكل وأحمد أمين ... طردها من عضوية المؤتمر الإسلامي أي طردها ك «دولة» من ملة الإسلام نفسه وزمرة المسلمين.
كان النجاح ساحقا وأكثر مما حلمت به إسرائيل وأمريكا، وبقيت في العالم العربي الإسلامي قوتان رهيبتان لا يقلان خطرا وأهمية عن مصر: بقيت إيران المسلمة الثائرة الخارج شعبها من قمقم السافاك والإمبراطور، والعراق التي بدأت تتوحد وتقوى وتصل إلى مرحلة المفاعلات النووية والتقدم التكنولوجي الخطر؛ فكان لا بد من ضربهما معا.
ونحن في عالم لم يعد سهلا أن تأتي بضع سفن أو طائرات بريطانية أو فرنسية أو أمريكية وتغزو وتضرب هكذا، على مرأى ومسمع من العالم، دولة عربية كانت أو غير عربية؛ فنحن لسنا في قرن الاستعمار العسكري الواضح: القرن التاسع عشر، وإن كانت أمريكا قد بدأت تعود بالدنيا إليه وتحتل جرينادا وتضرب بأسطولها طرابلس وليبيا أيضا في وضح النهار وفي الربع الأخير من القرن العشرين.
ولهذا كان الأروع والأوفق أن تجعل العرب يقضون بأنفسهم على أنفسهم أو أن تجعل المسلمين هم أنفسهم الذين يذبحون المسلمين.
والمضحك المبكي أني أقرأ بحوثا كثيرة ومطولة حول من بدأ بالعدوان على الآخر أهي العراق أو إيران، مع أن مسألة إشعال فتنة أو تحريض طرف على طرف ليست مشكلة أبدا في العصر التخابري المتقدم جدا؛ ذلك الذي تمر به المخابرات الأمريكية والإسرائيلية. إن تسريب معلومات خاطئة للعراق عن إيران أو العكس، وعن طريق طرف ثالث عربي أو إسلامي حسن النية مدسوسة عليه المعلومات، ليست مشكلة أبدا أن يحدث شيء كهذا؛ ففي مثل هذه الظروف التي يخوضها عالمنا العربي والإسلامي، والذي بلغت فيه الثقوب في أنظمة وأجهزة مخابراته ودفاعه أقصى مداها من الاتساع والعدد، من الممكن أن تعبث بأي دولة فيه كما تشاء، وتثير من العداوات بين أي دولتين كما تشاء.
لقد ذكر لنا الرئيس مبارك أثناء لقائه بالكتاب في معرض الكتاب أنه فوجئ بالإذاعات السورية الموجهة وأجهزة الإعلام تشن حملة مفاجئة على النظام المصري، وتطالب بعدم شرعية عودة مصر إلى المؤتمر الإسلامي، في حين أن المسائل كانت في طريقها إلى التحسن والتقارب بين مصر وسوريا، بل وبين الرئيس حافظ الأسد شخصيا وبين الرئيس مبارك. والحق وأنا أستمع إليه كانت الفكرة التي أوردها هنا تفسر لي ببساطة كل شيء، فهل كان معقولا أن تترك إسرائيل الأمريكية وأمريكا الإسرائيلية المسائل والمياه تعود إلى مجاريها ويحدث لقاء واحد أدنى من اللقاء بين سوريا ومصر مرة أخرى؟ كان لا بد من إيقاف هذا وبأي ثمن؛ فالنجاح الذي لاقاه الكتاب المثقفون والفنانون المصريون في سوريا والسوريون في مصر نجاح خطير، ومقدمة لا بد لحوار على مستوى سياسي يبدأ ويحل عقدا كثيرة جمدتها القطيعة الكاملة بين القاهرة ودمشق؛ ولهذا كما قلت كان لا بد من إيقاف هذا «العبث» فالمخطط لا بد أن يمضي إلى النهاية، وداخل هذا المخطط لا بد أن تبقى القاهرة مقاطعة تماما من طرابلس ودمشق ومن اليمن الجنوبي بحيث تبقى منظمة التحرير مقاطعة هي الأخرى، وبحيث يبقى الاشتباك اللبناني الشيعي قائما في لبنان وحرب المخيمات لا تتوقف وتحال القضية الفلسطينية لمخزن المحفوظات؛ فخط التمزيق والتحارب والحروب العربية العربية والإسلامية العربية والإسلامية الإسلامية لا بد أن يظل مستمرا ومستمرا؛ فلا تزال هناك بقية شبه سليمة من الجسد الإسلامي العربي، بقية لا تزال حية تنبض ولا بد من استمرار الخطة حتى يذبح هذا الجسد الإسلامي العربي نفسه ذبحا كاملا وتاما. •••
والآن أيها السادة المجتمعون.
أعتقد أني لا أكتب هنا شيئا جديدا ولا أزعم أني أزف اكتشافا لم يكن أحد يعرف عنه شيئا ... كلنا حكاما ومحكومين نعرف أن هناك خطة لتمزيقنا وإبادتنا، وأن هذه الحروب المشتعلة في هذا الجزء من العالم - لاحظوا أنه لا توجد حروب في العالم إلا في منطقتنا الإسلامية العربية، أو حتى أمريكا اللاتينية لا توجد بها إلا حروب عصابات محدودة - هذه الحروب المشتعلة في جزئنا من العالم لم تشعل نفسها أبدا، ولا كان اشتعالها مصادفة ولا استمرارها مصادفة أيضا؛ فقد ثبت أن أمريكا ضالعة في إرسال أسلحة إلى إيران، كما هي ضالعة في تضليل العراق، ولا توجد دولة في العالم تصفها أمريكا بأنها إرهابية إلا ثلاث دول، و«بالمصادفات المحضة كلها دول إسلامية، حتى جنوب أفريقيا لا تعتبرها أمريكا - وإن كان العالم كله يعتبرها كذلك - إرهابية.»
إن أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية؛ بمعنى آخر الاستعمار العالمي الجديد ليس مشغولا بتدخين المارجوانا، وهو يعرف أنكم مجتمعون في الكويت، وأنكم لو خرجتم من اجتماعكم هذا بإجماع إسلامي، ولو على أبسط وأهون الأسباب؛ فإن في هذا خطرا عليه وعلى مخططه كل الخطر، فلا بد لهذا الاجتماع إذن أن يفسد ومن داخله يفسد؛ بمعنى آخر لا بد أن تنتقل الحرب الحقيقية الدائرة رحاها في شط العرب ولبنان لا بد أن تنتقل إلى قلب مؤتمركم في الكويت، بحيث تتولون أنتم بأنفسكم؛ إذ لا يوجد ممثل رسمي لإسرائيل الأمريكية وأمريكا الإسرائيلية في المؤتمر؛ إذ المهمة متروكة للمؤتمرين أنفسهم في تحقيق أهداف أي طموحات إسرائيلية أمريكية بيد مسلمة ولسان مسلم وفعل يجري باسم الإسلام.
هذا المندوب الغائب سيكون - لو علمتم الحقيقة - حاضرا بأكثر خطورة مما لو كان له مقعد واسم ولافتة ويمثل دولة، سيحاول هذا المندوب الغائب أن يشعل نيران الحروب الصغيرة التي تخصص فيها وبرع، وسيهرب متفجرات الحرب داخل حقائب السمسونايت مهما بالغتم في تفتيشها إلكترونيا؛ وذلك لتفتيت هدفكم الأوحد الكبير؛ ألا وهو حماية عالمنا العربي من التمزق والانتحار. تفتيت هذا الهدف إلى أهداف تافهة صغيرة وكثيرة تربككم وتربكنا، وتجعلنا نخرج من المؤتمر بخلافات وحزازات أكثر بكثير من التي دخلنا بها. سيفعل المندوب هذا والأدهى أنكم ستساعدونه كالعادة إذا تقمصتم نفس الأدوار التي تتقمصونها خارج المؤتمر. •••
Shafi da ba'a sani ba