المشكلة أن نعجل بأن نبدأ؛ فكل ثانية من الزمن تمر تموت من أعمارنا ثانية ولا تعود تحيا أبدا، وكل ثانية زمن تموت، تموت معها ثانية إرادة، وإذا كان في نيتنا أن نموت فلا شيء يدعو حينئذ للتعجل أو اليقظة، أما إذا كان في نيتنا أن نحيا، فمن المستحيل ما دمنا قد اخترنا أن نحيا أن نؤجل الحياة، والحياة ليست مجرد إشعاع أمل، أو إحساس بضرورتها، أو إعجاب بها، الحياة حركة إذا أردنا أن نكون فلنتحرك، بل حتى لو قررنا الموت فلنمت كما يموت الأحياء، فلنمت حركة، فلنمت عملا، ميتة أخرى غير التمدد فاغري الأفواه مفتوحي الأعين نتفرج، حتى على آلامنا نتفرج، وكأن ما يحدث يحدث لغيرنا، وكأن الألم لا يكوينا، وكأنما إرادتنا جميعا سرقها لص ووضعها في صندوق وألقى الصندوق في البحر، وكل مشكلتنا أن نظل نتساءل أين مفتاح الصندوق؟ أحيانا نظنه مع ريغان، وأحيانا مع الدول الكبرى، وأحيانا لا بد أن أحدا قد دفنه في رمال سيناء.
والمفتاح - أيها الأعزاء - لم يضع والصندوق والإرادة داخلنا لم تسرق، ولم تضع، مع أنفاسنا تتردد، ورهن إشارتنا تكون، والمسئولية مسئوليتنا.
وعلى أنفسنا نحن باستمرار نتفرج، والنكتة نرويها دائما عن الغير وكأن الغير بطلها، في حين أن راويها لا يعرف أنه البطل، والمسألة طالت وطالت، والأحاسيس كثرت وتشعبت ... كل ما في الأمر أننا فقدنا إحساسا لا نزال لم نشعر به، ونتجنب أن نشعر به، هو إحساسنا بالخجل.
خاتمة
أن ينتهي الكلام عن آسيا، كأن ينتهي الكلام عن الجنس البشري والإنسان، مسألة لا يتصورها عقل، هي ليست قارة فقط، ولكنها أكثر من ثلثي العالم، وبين كل ثلاثة من سكان الأرض تجد اثنين منهم آسيويين؛ فهي أضخم القارات عددا، وأكثر التناقضات تناقضا، ومن الرأسمالية بأبشع صورها الآسيوية في اليابان وتايلاند وفورموزا وغيرها، إلى الاشتراكية بأروع صورها الشيوعية في الصين وكوريا وفيتنام ومن بلاد محايدة على شفا الحياد، إلى تجارب من الديمقراطية الاشتراكية المعتدلة في الهند، إلى دكتاتوريات عسكرية، إلى شعوب يحكمها الاستعمار ومخابراته، وشعوب انتزعت حريتها، إلى إنسان لا يزال يعبد الأصنام، وآخرين أخذوا الماركسية العلمية عبادة، من نساء على هيئة جبشا، إلى مقاتلات تخصصن في إسقاط الطائرات، من حالة الكفاف إلى دون الكفاف، من الأباطرة إلى الرقاق، ومن بلاد لا ينمو فيها القتال إلى أغنى البلاد.
إنها العالم مركزا ومزدحما وواصلا إلى أقصى درجات تناقضاته.
البلد الذي خلب لبي
ومع كل ما رأيت، فإن البلد الذي خلب لبي في آسيا هو الهند: الشعب، والحضارة. ومن البطولات ليس أعلى من فيتنام. في التحلل هناك تايلاند وهونج كونج. في الطموح المخيف نرى اليابان. في أي مكان لا بد أن تعثر على نموذج، والنموذج صارخ، وفي كل مكان نلحظ حركة من حركات التاريخ سادرة وسريعة، لا يوقفها شيء. من الواقع أيا كان، ومهما درت في أفلاكه، في الشرق والجنوب والشمال، فأنى تذهب ستشعر حتما أن لهذا الكون مركزا، ثقله من ثقل الشمس، ومكانه الطين ... هناك هي الحقيقة الكبرى، ودائما هي في الطريق لتصبح الحقيقة الأكبر. •••
وآجلا أم عاجلا، شاءت أمريكا أم أبت، فمصير آسيا للصين لا للاستعمار الصيني، فالماوتسية لا تستعمر، وإنما للإشعاع العقائدي، والمذهبي والثقافي والسياسي الصيني.
ومن الآن ترى الإشعاع يتجسد، والأحزاب الشيوعية الصينية النمط تتكاثر وتصبح الأقوى، وتملك المنطق الذي لا يقاوم، الثورة المسلحة التي لا بديل عنها ولا محيص.
Shafi da ba'a sani ba