أجل، الخروج ليس من الأزمة ولكن من الوادي الضيق للأزمة، ذلك الذي طالما نحن محشورون فيه فإننا أبدا لا يمكن أن نرى الحل من خلال نظرتنا التي ضاقت به وضاق بها.
لقد رحت أحلم والعربة تنساب فوق الطريق الطويل، لا أحلم فقط بمستقبل القرى السياحية من مارابيللا إلى مارينا، لماذا هذه الأسماء الإيطالية؟ إلى مدينة وزارة الخارجية إلى المشاريع الخاصة - بالمناسبة هناك مدينة سياحية للصحفيين موجودة في مكان ما على الشاطئ الشمالي وحصلوا من كل منا ألف جنيه وزيادة كوبون، ولا يوجد لها من أثر لا في الحقيقة ولا في الخريطة - أقول: رحت أحلم بشيء كالذي صنعته اليونان بشواطئها الصخرية الناتئة؛ فلقد عقدت اليونان صفقات رابحة مع شركات عالمية لإنشاء سلسلة من أجمل الفنادق والمنتجعات على جزرها المتعددة، وإيراد اليونان من هذه المشروعات هائل الضخامة؛ فقد كنت في جزيرة صغيرة من جزر اليونان اسمها «كورفو» وعددت 85 رحلة طيران في الليلة الواحدة منها وإليها، وشواطئ هذه الجزيرة «مصنوعة»، أي إن الرمال منقولة لها من قاع البحر؛ فما بالك برمالنا وشمسنا ومياهنا الفستقية الطبيعية؟!
إني أرجو أن يكون مشروعا أساسيا من مشروعات مصر للمستقبل العاجل والقريب، أن ترصد ما لا يقل عن المليار جنيه لمشروعات الساحل الشمالي لتزويده بشبكة أدق من الطرق والكهرباء والمياه والمطارات، وإني متأكد من أن هذا المليار الواحد يستطيع على مدى السنوات العشر القادمة أن يسدد عشرين مليارا من ديون مصر الخارجية وأن يحيي «بلدا» كاملا من جغرافية مصر المهملة اسمه الساحل الشمالي ... شكرا لهذا الوزير الذي أنشأ ميناء دمياط وأحيا الساحل الشمالي وعمل المثير في صمت ودون إعلانات مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة، ولا أشكره فقط على هذه الأعمال الكبيرة، ولكني أريد أن أشكره لسبب شخصي ذاتي محض؛ فقد خرجت من القاهرة متجها شمالا وروحي قد بلغت الحلقوم وعدت إليها وقد ردت إلي الروح رغم أني لم أمكث في الرحلة كلها أكثر من أربع وعشرين ساعة.
برقية طويلة لمدحت عاصم
أستاذي وصديقي ومعلمي في الوطنية والفنية والتقدمية مدحت عاصم ... نعم كما قلت لقد كان شرفا أن ألقاك طالب طب يخجل من خياله، وأنت الموسيقار المشهور ملء السمع والبصر، وأخذت أستمع لك في منزلك في العباسية وأنت تعزف سوناتا ضوء القمر لبيتهوفن ثم قطعة موسيقية لك، وكنت أول مرة أستمع فيها إلى موسيقار كبير مصري يعزف على البيانو، من يومها وتلك العلاقة الفنية الوثيقة التي بنيت على أسس وطنية وثورية وألفة شخصية تثري حياتي وتجعلني كلما رأيتك أرى أن مصر لا تزال بخير.
قرأت كل ما كتبته ردا على «نقدي» للتليفزيون، واعتبارك أن ما قلته كان تحاملا مني على برامجه وعلى الجهود الكبيرة التي يبذلها الكثير من أبنائه مع رئيسته ومسئولي قنواته.
وأذكر لك أيها الصديق العزيز أني أستطيع أن أزعم - في هذه النقطة بالذات - أني أكثر منك اتصالا بالعمل اليومي في التليفزيون، وما يتطلبه من جهود خارقة ويقظة وانتباه لنملة الخطأ إذا حدثت.
ولكنك ظلمتني وأعتقد أنك ظلمت التليفزيون أيضا؛ فأنا لم أكتب ل «أنقد» برامج التليفزيون، صحيح أني قلت إن معظمها «هلس» وكنت أعني بالهلس هنا اللعب على تسلية الجمهور ونفاق طلباته من مسرحيات معادة وكوميديات لا تضحك إلا الأبله أو المتخلف عقليا، وآخرها مسرحيات عبقري العباقرة محمد نجم، ذلك الذي ظللت - والله - أتفرج لمدة نصف ساعة عليه وهو يحاول استدرار الضحك من جمهور غلبان مسكين فرض عليه فرضا، وأنا مذهول كيف يمكن أن يسمح التليفزيون بعرض هذا التخلف على الناس؟! وأيضا أنا هنا لا أنقد، فهكذا هي الحركة المسرحية للقطاع الخاص، وهذا هو المسرح في نظر البعض.
إني إنما كنت في الواقع أتحدث عن التليفزيون ك «جهاز» أصبح دوره في كل أنحاء العالم هو الارتفاع بمستوى تفكير وذوق وأحلام الإنسان العادي؛ فزمان كانت الثقافة لا توجد إلا في الكتب وكانت هي التي ترفع الذوق والمعرفة والذكاء، ثم انتقل هذا الدور إلى الصحف ثم الإذاعة، وأخيرا هذا الوحش الإعلامي الثقافي العلمي الترفيهي التليفزيون.
وإذا كان التليفزيون كوسيلة تعليم وإعلام مهما جدا في بلاد العالم الأول فهو قد أصبح بالنسبة للعالم الثالث الذي نحن منه مسألة حياة أو موت، بمعنى أدق مسألة حياة روح هذه الشعوب أو قتلها واستعمارها ثقافيا وفكريا وحضاريا.
Shafi da ba'a sani ba