إذن لا بد أيضا لوزير التربية ورئيس مباحث أمن الدولة أن يبادر بفصل رئيس الجمهورية وكل الكتاب ورؤساء التحرير، لا بد من فعل كل هذا قبل أن تمس شعرة واحدة من شعرات الطالب محمد حامد الحمامي؛ فهم الفاعلون الأصليون المتآمرون الذين يحرضون الناس ضد القمع الإسرائيلي.
أقسم أني من لحظة أن تسلمت هذا الخطاب وأنا في حيرة من أمري، هل هناك حكومتان في مصر، واحدة يرأسها حسني مبارك تقف ضد العدوان الإسرائيلي الغاشم، وحكومة ثانية سرية لا يعرف أحد بالضبط هويتها، ولا يملك الإمساك بمسئوليتها، حكومة موالية تماما لإسرائيل، وتأخذ أوامرها منها، وتعذب وتضرب وتفصل كل من تسول له نفسه أن يحتج على القمع الإسرائيلي، فإن هذا يعد في نظر تلك الحكومة السرية خروجا على الخط وجريمة في حق المتعاونين مع إسرائيل؟
والغريب في الأمر أني حين أمعنت النظر، وجدت أن قرارات وأحكام تلك الحكومة السرية الثانية هي التي تنفذ حين يجد الجد، وهي المالكة لزمام الأمور، وكأنها الحكومة الفعلية الماسكة بزمام الأمور، وكأن الحكومة الأخرى حكومة كلام وأقوال همها إلهاء المواطنين ليس إلا. •••
وبعد؛
إني لا أريد فتح باب النقد لحكومتنا الشرعية والتي أعتقد أنها لا تزال شرعية؛ فالملاحظ من حادثة الاعتداء على عضو مجلس الشعب، ومن مد قانون الطوارئ لثلاث سنوات أخرى تبدأ من أبريل القادم - ثلاث سنوات - يا للهول، ولماذا لا تمد كل ثلاثة أشهر أو حتى كل ستة أشهر، لماذا نحكم على مستقبل مصر خلال السنوات الثلاث القادمة بالتكبيل وبفرض حالة الحرب على الناس، دون حرب، بل في الواقع بإخماد أي صوت يرتفع ضد علاقتنا بإسرائيل، شيء لم يحدث في تاريخ العالم قط؛ فديمقراطيتنا التي لا تزال ينقصها الكثير كانت تحتاج منا إلى فتح أكثر لباب الحرية، حتى إذا انتهت فترة الأحكام العرفية نجد شعبا منظما قد تعود على احترام الرأي والرأي الآخر، أم أننا سيحكم علينا بأن نظل أطفالا غير مسئولين إلى الأبد؟
الاعتداء على النائب ومد الأحكام العرفية لستة وثلاثين شهرا كاملة، وإرغام آلاف الفنانين في مصر على إجراء انتخابات حسب القانون المشبوه الجديد «ورجلهم فوق رقبتهم» ثم تدليل شركات توظيف الأموال وإلغاء المسئولية الوزارية، وترك أعضاء مجلس الشعب وترك الوزراء كأفراد يواجهون الأعضاء وحدهم فرادى، وكأنه لا توجد هناك وزارة ورئيس وزراء ومسئولية سياسية بقيادة رئيس الوزراء باعتباره المسئول الأول عن أن أي خطأ أو انحراف أو رأي شخصي يجتهد به وزير.
حالة أحسست معها، وأنا أحمل خطاب الطالب المفصول فصلا تعسفيا، لا بد أن يكون محل تحقيق تعلن نتيجته ويعلن اسم ووظيفة فاعله على الملأ، حالة أحسست معها أن سياسة الدولة قد أخذت - وتصبح حكومة يمين صريح لا يخجل من نفسه وأنها ماضية في سياستها تلك؛ تصم آذانها عن صرخات الشعب ورأيه وكأنه غير موجود، ولولا أنني سمعت تصريحات الرئيس المبارك ضد الحكومة الإسرائيلية وتلويحها بالقيام بتدمير صواريخ الدفاع التي اشترتها المملكة السعودية من الصين وقوله: إن أي اعتداء على أي جزء من الجزيرة العربية يعتبر بمثابة اعتداء على الأرض المصرية نفسها. بما معناه أن مصر ستتصدى لهذا الاعتداء بكل ما تملك من قوة، ثم كلماته التي تحمل الرد المفحم على المتعصب شامير وقائد قواته رابين، إنه إذا حدث شيء كهذا فإن معناه نسف جهود وحالة السلام في المنطقة بأسرها، ونسف السلام يعني العودة للحرب، لولا أن جاءني صوت الرئيس مبارك يعلن موقف مصر الحرة التي عانت طويلا من تعنت إسرائيل وعانت أكثر من تحيز الولايات المتحدة لأي سياسة عدوانية إسرائيلية ، جاءتني تلك التصريحات فأفاقتني من هول ما كنت فيه، مثلما النشادر في الإنسان الموشك على الإغماء غما وغيظا وانعدام أية وسيلة حتى للصراخ أو الاحتجاج.
لتفهم الحكومة الإسرائيلية ولتفهم إدارة ريجان أنه مهما بلغ نقدنا لحكومتنا فإننا إزاء ما يقترفون من جرائم قد بلغ غيظنا أطراف أنوفنا، ولولا ثقتنا في ضخامة ما تواجهه دولتنا من صعوبات وأهوال خارجية هم القائمون بها لانفجر شعبنا عن بكرة أبيه عنفا واحتجاجا؛ إذ لم يعد في قوس الصبر منزع، ومستودع المتفجرات داخلنا يكفيه خطوة، مجرد خطوة واحدة، وفعل إجرامي واحد تقترفه حكومة شامير بدعم من الولايات المتحدة، يكفيه خطوة حتى ينفجر أعتى وأقوى انفجار.
وعلى الباغي تدور الدوائر!
لقد تبخرت كل أحلامنا في «علاقة خاصة» مع أمريكا، وكل ما كان يأمل فيه الرئيس السادات من ربطنا بالعجلة الأمريكية والإسرائيلية أثبتت السنوات والتجارب أنه جاءنا بالعكس تماما، وأن رفضنا وغيظنا من السياسة الإسرائيلية الأمريكية قاطع ومستعدون معه أن نشعلها جحيما، فخير لنا أن نتحمل التعذيب المتواصل الطويل على أيدي تلك العصابة الدولية التي ليس لها من عمل سوى قهر الشعب وبالذات قهر الشعب العربي وإلجائه إلى الزحف على البطون والتماس الرأفة من مجرمين لا ذرة رحمة في قلوبهم.
Shafi da ba'a sani ba