Madina Fadila
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Nau'ikan
وقد قلنا: إن «للتاريخ الجديد» تاريخا قديما؛ ولذا فلا لزوم لأن نشير إلى أن روبنسون لم يكن أول المتحدثين في التاريخ الجديد، فقد سبقه القديس أوجسطين في القرن السادس - أي في ظروف ظاهرة الاختلاف عن ظروفنا - إلى تبين فوائد تاريخ جديد، ولم يتبين القديس الفوائد فحسب، بل كتب فعلا «تاريخا جديدا» - وإن سماه الدار الإلهية، «والدار الإلهية» أحذق وأتم احتيال أتاه حي على موتى، وقد ظلت تفي بما يطلبه الناس من التاريخ حتى القرن الخامس عشر والسادس عشر، حينما طلب الناس «تاريخا جديدا» آخر، فطلب الإنسانيون
28
تاريخا يخدم دراسة الحضارة اليونانية الرومانية، وطلبت العصبية القومية تاريخا يمجد الملوك أو الشعوب، وطلبت البروتستنتية تاريخا يثبت صحة المذاهب الجديدة، وطلبت الكاثوليكية تاريخا يؤيد المذهب القديم، ثم بعد أن خفت حدة ما بين الأمم والفرق من شقاق، قلت الحاجة إلى استغلال التاريخ على هذا الوجه المكشوف.
وظهر في القرنين السابع عشر والثامن عشر مؤرخون من طراز جديد، غزيرو العلم حقا، ولكن - ويجب أن نقولها - فاترون كليلون، كانت تلك أيام مابيون وديكانج واليسوعيين البولانديين والرهبان البنديكتيين أيام فريريه الذي نشرت أكاديمية النقوش مباحثه الدقيقة وتحقيقه في ثمانية عشر مجلدا طواها الناس طوعا في زوايا الإهمال، وهل يلامون؟ أنا لست قطعا ممن يلومونهم بعد أن رجعت إلى بعض ما وضعه المؤرخون الثقاة من رجال ذلك العهد، وبعد أن قرأت منها ما قرأت لم أعجب لسخط الفلاسفة عليها، فإنهم لم يجدوا فيها ما ابتغوه، فلا أثر بالمرة لنداء القلب في تحقيقات فريريه وديثو ومزراي،
29
هذا من جهة، وأما من الجهة الأخرى فإن المثال الإنساني المشترك الذي صوره بوسويه
30
في مقاله في التاريخ العام كان بالنسبة لهم مثالا باطلا، فنادوا كما نادى جيمس هارفي روبنسون فيما بعد، واستعملوا نفس الألفاظ التي استعملها تقريبا أن لا بد من «تاريخ جديد»، وكان فينيلون بلا شك من أوائل الذين قالوا بهذا
31
على أنه كان فيلسوفا بالولاء فقط إن صح التعبير، أخذ فينيلون على من سماهم «صانعي الحوليات المكتئبين اليابسين» أنهم لا يعرفون نظاما في التأليف سوى نظام التسلسل الزمني، وكان من رأيه أن الأولى بالمؤرخ أن يتتبع التغيرات العامة في تاريخ الأمة، من أن يسجل الأحداث الفردية
Shafi da ba'a sani ba