Madina Fadila
المدينة الفاضلة عند فلاسفة القرن الثامن عشر
Nau'ikan
وقد كانت نظرية «الإرادة العامة» عنصرا من عناصر حركة الاستنارة، أكسبها القوة المحدثة للانقلابات الثورة، وكان لجان جاك روسو بصفة خاصة الأثر الأكبر في تقرير هذه النظرية وبسطها.
و«الإرادة العامة» ليست إرادات الأفراد مجتمعة، وليست إرادة الأغلبية من الشعب، وليست مما يظهره تصويت وانتخاب أو مداولات مجالس نيابية أو ما إلى ذلك، بل هي قوة خفية أو هي روح، والإرادة العامة هي التي تجعل «الانسجام» الموجود في الطبيعة بالقوة موجودا بالفعل.
وعلى أساس التعبير عن «الإرادة العامة» قامت دكتاتورية اليعاقبة على اعتبار أنهم الأمناء حقا على الثورة وعلى مصالح الشعب، وأنهم الكفيلون بإنقاذ الشعب من أعدائه الداخليين والخارجيين، وعلى أساس الإرادة العامة قامت ديكتاتورية نابليون قنصلا فإمبراطورا، على اعتبار أنه أصدق تعبيرا عن تلك الإرادة العامة من الهيئات النيابية وما إليها، وعلى أساسها أيضا قامت دكتاتورية مصطفى كمال وهتلر وموسوليني، وعلى أساسها أيضا قامت دكتاتورية الكرملين من لينين إلى ستالين إلى من حل محله، وجوهر الفكرة أنها نظام انتقال تقتضيه الظروف إلى حين، وجوهر الفكرة أيضا أن التعبير عن الإرادة العامة لا يستلزم مطلقا إرضاء رغبات الشعب أو شهواته أو ميوله أو مثله العليا، فقد يحمل المعبر عن الإرادة العامة الشعب على ما يكره، وهذا طبعا لمصلحته في النهاية.
ولقد عقد كارل بيكر فقرات طريفة للاختلاف والاتفاق بين الثورة الفرنسية والثورة الروسية، والتعديل الوحيد الذي أدخله على حديثه في هذا، هو أن أضيف إليه أن الثورة الروسية - أو بعبارة أدق - الماركسية نبتت من بذور بذرت في عصر الاستنارة وعصر الثورة الفرنسية، وأن من تلك البذور ما أنبت مبكرا، ففي عصر الثورة الفرنسية كانت حركة بابيف الشيوعية، ومنها ما نبت في عقول الأفراد والجماعات في خلال القرن التاسع عشر، ومنها ما نبت في حركة الكومون في باريس في أثناء الحرب بين فرنسا وألمانيا في سنة 1870، إلا أن هذه الأشتات وهذه التيارات لقيت في كارل ماركس من ينسق ويؤلف بينها، كما لقيت في شخص لينين من يعرف كيف يخرجها في ثورة أو انقلاب.
وتحدث كارل بيكر عن علة إغفال المعاصرين للثورة الروسية للاتفاق بينها وبين الثورة الفرنسية حديثا جيدا، ولكنه لم يذكر سببا أراه جوهريا، وهو أن الثورة الفرنسية - من حيث نظريتها - اعتبرت حق الملكية الفردية من حقوق الإنسان الطبيعية، ومن حيث الواقع جرت حكومات فرنسا في عصر الثورة سواء أكانت جمهورية أم إمبراطورية على خطط العهد السابق للثورة في حماية المصالح الاقتصادية للبلاد، وقد خرجت الحكومات الفرنسية بهذا على مبدأ هام من مبادئ حركة الاستنارة، ألا وهو أن إطلاق الحرية يتيح المجال للانسجام الطبيعي ليفعل فعله من أجل الخير العام، والفرق بين الثورتين الفرنسية والروسية في هذا كله يرجع إلى التطورات الاقتصادية الخطيرة التي بدأت معاصرة للثورة الفرنسية، واستمرت تنمو إلى أن عمت العالم بأسره في خلال القرن التاسع عشر.
وقد ختم كارل بيكر الحديث كله بالتساؤل، ولا أظن أي مؤرخ يستطيع أن يفعل شيئا آخر.
13
محمد شفيق غربال
يونيو سنة 1945
كلمة المؤلف
Shafi da ba'a sani ba