Birnin Fadila A Tsawon Tarihi
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Nau'ikan
وربما تصلح جمهورية كالابريا التي خطط لتأسيسها لأن تكون نموذجا ونقطة انطلاق لإقامة جمهورية عالمية. والواقع أن كامبانيلا لم يكن، كما وصف أحيانا، إيطاليا ذا نزعة وطنية. وإذا كان قد تآمر ضد إسبانيا، فقد فعل هذا في سبيل إقامة هذه الجمهورية العالمية المقدسة تحت القيادة الروحية للكنيسة الكاثوليكية. وعلى الرغم من تمرده على السلطات الإسبانية، فإنه كان مؤمنا بأن إسبانيا هي القوة الوحيدة القادرة على تحقيق الجمهورية العالمية.
وأخذ كامبانيلا يبشر في كنيسة ديرستيلو بأن لحظة التمرد قد حانت، ونجح في إقناع بعض اللاجئين السياسيين الذي لاذوا بالدير، وبعض الرهبان أيضا بأن الجمهورية العالمية المقدسة ستقوم قبل نهاية العالم، وأن من الضروري إيجاد «الدعاة» و«الرجال العمليين» القادرين على تحقيقها، وأن ألسنة الرهبان وأسلحة الشعب يمكن أن تتحرك لوضع قوانين ومؤسسات جديدة لعالم أفضل. وقد تجسدت بعد ذلك في «مدينة الشمس» بعض الإصلاحات والقوانين التي دعا إليها في ذلك الوقت.
اكتشفت المؤامرة وقبض على كامبانيلا ورفاقه. وتم ترحيلهم عن طريق البحر إلى نابولي في الثامن من شهر نوفمبر عام 1599م، وكان بعض رفاق كامبانيلا مقيدين بالأغلال على ظهر سفن شراعية، وذلك على مرأى من أهالي نابولي الذين تجمعوا في الميناء لاستقبالهم عند وصولهم.
وأضيفت تهمة الهرطقة إلى تهمة التآمر على إسبانيا، وحكم بالإعدام على عشرة من بين مائة وأربعين رجلا تم اعتقالهم (وكان بينهم أربعة عشر راهبا). واحتجز كامبانيلا الذي كبلت ساقاه بالأغلال لمدة خمسة شهور في زنزانة رطبة ومظلمة، وتعرض لألوان مختلفة من التعذيب المخيف، وانتزعت منه بعض الاعترافات التي سمحت لمحكمة التفتيش بأن توجه إليه تهمة الهرطقة. وقبل بدء المحاكمة بأسابيع قليلة أشعل النار في زنزانته، وأخذ يتكلم ويتصرف بطريقة توحي بأنه فقد عقله. ولن نعرف أبدا على وجه اليقين إن كان قد تظاهر بالجنون، كما يعتقد معظم المؤرخين، أو إن كان التعذيب الرهيب قد ذهب بعقله بالفعل.
وفي العاشر من مايو عام 1600م استؤنفت المحاكمة، ولم يحمه جنونه من أن يعذب مرة أخرى بقسوة أشد، وفي إحدى المرات استمر التعذيب لمدة أربع وعشرين ساعة بغير انقطاع. وسجل هذيان كامبانيلا وصراخه، الذي دونه أحد موظفي محاكم التفتيش، ما زال محفوظا حتى اليوم، ويعتبر بحق وثيقة مروعة ومرعبة. وقد رفض هذه المرة الإجابة عن أي أسئلة، واستمر في التصرف كالمجانين. وتشككت محكمة التفتيش في ادعائه للجنون، ولكنهم أصروا على مواصلة تحقيقاتهم، ولم يتمكنوا من الحكم عليه بالإعدام لأن ذلك كان معناه الحكم على روحه باللعنة والهلاك. وبعد محاكمة استمرت عاما كاملا، حكم عليه بالسجن مدى الحياة.
بعد هذه المحاكمة مباشرة، أي في عام 1602م، كتب كامبانيلا «مدينة الشمس». ويعتقد بصفة عامة أن هذا الكتاب قد وضع باللاتينية في تاريخ لاحق، وعلى الرغم من تجاهل الظروف التي تم فيها تأليف الكتاب للمرة الأولى فقد وصف بأنه حلم غريب وشاذ، وبأنه منفصم انفصاما كاملا عن الواقع . والحقيقة أن مدينة الشمس مرتبطة ارتباطا وثيقا بمحاولة كامبانيلا الفاشلة لإقامة جمهورية كالابريا. ولم ينجح التعذيب ولا المحاكمات في تحطيم روحه، وربما يكون قد كتبها كنوع من التحدي، أو ليشرح ببساطة ماذا كان يمكن أن يحدث لو قدر له النجاح في محاولته. ومن المحتمل أيضا أنه كان يأمل في الهرب، وأنه سعى بهذه الطريقة لكسب التأييد والمساندة في محاولة جديدة للهرب. وقد قال بنفسه بعد ذلك إنه حاول السيطرة على حراسه ببعض الممارسات السحرية التي بهرتهم وأثرت فيهم تأثيرا كبيرا. وقد ساعدوه على تهريب مخطوطاته إلى خارج السجن، وربما يكونون قد فكروا في مساعدته على الهرب لو لم يتم نقله إلى قلعة أخرى. والظاهر أن كامبانيلا اكتسب شعبية كبيرة في عصره، ورويت القصائد الغنائية التي كتبها في زنزانته في كل أنحاء نابولي. ودلت كتابته ل «مدينة الشمس» بالإيطالية لا باللاتينية، على أنه لم يعتبرها عملا أكاديميا، وإنما أراد لها أن تقرأ بشكل واسع بقدر الإمكان.
لقد قيل مرارا إن كامبانيلا لم يهتم أدنى اهتمام بإضفاء طابع واقعي على مدينته المثالية. والحقيقة أننا لا نعرف منها شيئا عن المكان الذي تقع فيه، ولا كيف وصل إليها الملاح الذي يروي القصة. وهذا أمر يمكن فهمه لو وضعنا في اعتبارنا أنه كان يعظ ويحرض ويدبر المؤامرات ويواجه التعذيب لكي يقيم جمهورية مثالية في مسقط رأسه كالابريا. ولم يشأ أن ينظر قراؤه إلى كتابه وكأنه رواية خيالية، أو أن يتخيلوا المدينة المثالية في بلد بعيد أو في بلد أجنبي، وإنما أراد أن يتصوروها حولهم وأن يعتبروا أنفسهم مواطنيها. ولم يكن كامبانيلا يفتقر إلى الخيال والمواهب الشعرية التي تجلت في قصائده الغنائية وأشعاره التي كتبها طوال حياته، ومع ذلك فإن «مدينة الشمس» عمل جاف ومجدب، وهي أشبه بمنشور أو برنامج عمل سياسي؛ لأن هذا في الواقع هو المقصود منها.
بقي كامبانيلا سجينا في نابولي حتى شهر سبتمبر عام 1626م، ثم حصل على حريته بفضل القنصل الإيطالي في مدريد. وبعد شهر من خروجه من السجن، قبض عليه مرة أخرى، وجاء الأمر بالقبض عليه في هذه المرة من البابا، وتم احتجازه في الفاتيكان لمدة ثلاث سنوات. وتمتع بعد إطلاق سراحه بفترة هدوء نسبي استمرت حتى عام 1633م، عندما بدأ الإسبانيون في اضطهاده من جديد ، حيث اعتبروه مسئولا عن سياسة البابا أوريان الثامن المؤيدة لفرنسا. ومن المحتمل أن هذه الشكوك كان لها ما يبررها، إذ تخلى كامبانيلا عن أمله في توحيد إسبانيا للعالم كما كان يحلم بذلك، واعتقد أن فرنسا يجب أن تحل محلها. واضطر في عام 1636م للهرب إلى باريس، حيث عاش تحت حماية ريشيلو ولويس الثالث عشر، واستطاع أن ينشر أعماله وأن يحاضر في السوربون على الرغم من معارضة الفاتيكان. ثم جاء الموت أثناء إقامته في أحد الأديرة في اليوم الحادي والعشرين من شهر مايو عام 1639م.
حقق كامبانيلا شهرته من خلال حياته المأساوية ويوتوبياه «مدينة الشمس» أكثر مما حققها عن طريق أعماله الفلسفية التي تحتل، في الواقع، مكانة مهمة، إن لم تكن شديدة الأهمية، في فلسفة عصر النهضة المتأخر. وما زالت ذكراه حية بين الناس في موطنه الأصلي في كالابريا، ويقال إنه يظهر في الأحلام ليكشف عن الكنوز المخبأة، وهي حكاية خرافية كان من الممكن أن ترضي الفيلسوف الذي كان يحب أحيانا أن يعتبره الناس ساحرا ونبيا.
كتب كامبانيلا معظم مؤلفاته في السجن، تحت ظروف غير إنسانية على الإطلاق، وقد قال فيما بعد إنه كان يصارع الموت بالعمل. وصودر عدد كبير من مخطوطاته، كما دمر سجانوه بعضها، وهذا يفسر إلى حد ما سبب وجود طبعات كثيرة لمعظم أعماله، حتى إن بعضها تمت كتابته أكثر من خمس مرات. وقد كتبت «مدينة الشمس» للمرة الثانية بالإيطالية في عام 1611م، وللمرة الأولى باللاتينية بين عامي 1613م و1614م، ثم عدلت هذه الطبعة وروجعت للمرة الرابعة باللاتينية في عامي 1630م و1631م. وتختلف الطبعات اللاتينية اختلافا تاما عن الطبعات الإيطالية، ليس من حيث الأسلوب فحسب، والذي تم صقله وتهذيبه في الطبعات المتأخرة، وإنما بسبب تغير أفكاره تغيرا شديدا أثناء فترة سجنه . فقد أصحبت «مدينة الشمس» مع مرور السنين أكثر تسلطية وأكثر مهادنة لأفكار الكنيسة. وعلى سبيل المثال لم تلغ مشاعية السلع والنساء، ولكن آباء الكنيسة - كما يعبر عنهم النص - أخذوا في تبريرها، بالإضافة إلى أن الحرية الجنسية فرضت عليها قيود شديدة، كما أن التنجيم أصبح يشغل حيزا أقل أهمية في الطبعات المتأخرة، ربما بسبب الحرب التي كان الفاتيكان يشنها على المنجمين.
Shafi da ba'a sani ba