Birnin Fadila A Tsawon Tarihi
المدينة الفاضلة عبر التاريخ
Nau'ikan
التي ظهرت في روسيا في نهاية العشرينيات، قد استوحت النظام السوفييتي بشكل صريح، كما أن رواية «عالم طريف شجاع» لأولدس هكسلي
13 (1894-1963م)، التي نشرت لأول مرة عام 1932م، وتشبه رواية زامياتين من نواح عديدة، تهدف إلى السخرية من المجتمع الأمريكي الحديث. أما رواية «مزرعة الحيوانات» لجورج أورول
14 (1945م) فلا يمكن أن تعتبر يوتوبيا ساخرة، إلا في نظر الذين لم يتابعوا تاريخ روسيا خلال الثلاثين عاما الماضية.
وتعد اليوتوبيا المضادة لزامياتين رؤية مستقبلية. فهو يصف المجتمع الذي يفترض وجوده بعد مرور ألف عام على إقامة الدولة الوحيدة التي تحكم العالم بأسره، وعشية الاستعداد لغزو الكون كله بفضل آلة مرعبة يمكن أن تنطلق إلى الكواكب الأخرى. والحياة في الدولة الوحيدة منظمة بدقة رياضية، وكل شيء فيها قد تحول إلى معادلات رياضية، والرجال والنساء جميعا يعلقون لوحا ذهبيا لافتا للأنظار يحمل أرقامهم: «لا يوجد في المجتمع عضو «واحد»، بل واحد بين كثيرين»، أو «واحد من ...» لأننا متشابهون إلى حد كبير. والدولة يحكمها «فاعل الخير»، يعتبر وكلاؤه أو «حراسه» ملائكة حارسين، فهم مطلعون على كل حركة بل وكل فكرة تدور في رأس أي مواطن، لأنهم يضطلعون في نفس الوقت بدور الكاهن الذي يتلقى الاعتراف ودور الجاسوس ودور مخبر البوليس.
وقد حل جدول المواعيد محل الأيقونة التي تعلق في كل غرفة، فالعمل، والأكل، والنوم، والمعاشرة الجنسية قد نظمت كلها تنظيما صارما في جدول المواعيد. وهناك ساعة مركبة في ظهر اللوح الذهبي الذي يحمله كل مواطن، وتكاد هذه الساعة أن تكون مدمجة في جهازه العضوي، حتى ليمكنه أن يقدر الوقت في بضع دقائق، مهما كان واقعا تحت ضغط الانفعالات الطاغية. ولا يوجد شيء مما يسمى بالحياة الخاصة للفرد، فلا يقتصر الأمر على فتح بريده قبل وصوله إليه، أو على إلزامه بأن يقدم للحراس تقريرا عن أي شيء غير عادي، بل هناك جهاز سمعي، يتم إخفاؤه بطريقة بارعة، ويسجل لحساب مكتب الحراس جميع الأحاديث التي تجري في الشارع. وقد تم كذلك تبسيط مهمة الحراس إلى حد كبير، إذ بنيت البيوت من حوائط زجاجية لتمكنهم من أن يروا بنظرة واحدة ما يجري في كل شقة سكنية. ويسمح بإنزال الستائر في الساعة المحددة للمعاشرة الجنسية فقط: «وليس من حقنا استخدام الستائر إلا في الأيام المحددة للمعاشرة الجنسية. أما في الأوقات الأخرى فنحن نعيش دائما عيشة مفتوحة داخل حوائطنا الشفافة، التي تبدو كأنها منسوجة من الهواء المتلألئ بالضوء، ونستحم في النور، لأننا لا نملك شيئا نخفيه، ولأن هذا الأسلوب في الحياة يقلل من إرهاق المهمة الصعبة ل «فاعل الخير». وإلا فمن يدري ماذا يمكن أن يحدث؟ أليس من المحتمل أن البيوت المعتمة التي كان يعيش فيها الناس في العصور القديمة هي المسئولة عن أحوالهم النفسية البائسة المهترئة؟»
وتتم الحياة الجنسية وفق مبادئ علمية. فالمكتب الجنسي يحلل هرمونات كل مواطن وينظم جدول الأيام المخصصة للجنس. ويعلن الشخص بعد ذلك أنه - أو أنها - يريد ممارسة الجنس عددا معينا من المرات، ويسلم له - أو لها - كتيبا به تذاكر وردية اللون، تسمح كل تذكرة منها بساعة واحدة للمعاشرة الجنسية. وهذه التذكرة الوردية يمكن استخدامها لأي عدد، لأن المبدأ المعمول به هو أن الواحد للجميع والجميع للواحد. ولا يسمح للنساء بإنجاب الأطفال إلا إذا توافرت فيهن مستويات معينة، وإن لم يطعن التعليمات يحكم عليهن بالموت.
والمثل الأعلى في مجتمع المستقبل هذا هو أن يصبح المرء «كاملا» مثل «الآلة». ونظام تايلور
Taylor
لا يطبق على العمل فحسب، بل على الحياة كلها، على كل خطوة، وكل حركة ويأكل الناس طعاما صناعيا، ويرتدون زيا صناعيا موحدا، ويتعلمون في المدارس بواسطة الروبوتات (الإنسان الآلي) ويستمعون إلى موسيقى صناعية صادرة عن جهاز قياس موسيقي بحيث يستطيع أي فرد بواسطة إدارة المحول أن يستمع إلى ثلاث إرنينات (سوناتات) في الساعة الواحدة. ولا يزال إجراء الانتخابات قائما، ولكننا نستنتج من سياق القصة أن «فاعل الخير» يحصل دائما على نسبة مائة في المائة من الأصوات، كما يطلق على اليوم الذي يقام فيه الانتخاب اسم ملائم هو «يوم الإجماع». ولا تعتبر الحرية غير ضرورية فحسب، بل تعد خطرة: «إن الحرية والجريمة مرتبطان ارتباطا وثيقا، كارتباط حركة الطائرة بسرعتها. فإذا كانت سرعة الطائرة صفرا. فإنها تظل في حالة سكون، وإذا كانت حرية الإنسان صفرا، فمن الواضح أنه لن يرتكب أي جريمة على الإطلاق. إن الوسيلة الوحيدة لتحرير الإنسان من الجريمة هي تحريره من الحرية.»
وعلى الرغم من مرور ألف عام على تأسيس الدولة الوحيدة، فهناك متمردون ضد النظام، رجال يكسرون القواعد أو يصرحون بأفكار ضالة، ونساء يرغبن في أن يكون لهن أطفال، رغم أنهن لا يوفين بالشروط المطلوبة، ولكن الدولة لا تأخذها أي شفقة بأمثال هذه الانحرافات وإذا لم يعترف أصحابها بجرائمهم فإنهم يوضعون تحت نواقيس ضخمة تفرغ أحيانا من الهواء وتملأ أحيانا أخرى بغازات خاصة. ويؤدي هذا إما إلى الاعتراف وإما إلى الموت. وتنفذ أحكام إعدام أخرى أكثر إثارة بشكل علني عن طريق آلة «فاعل الخير»، وهي كرسي كهربائي مهول يقلص الجسد البشري إلى بضع قطرات قليلة من الماء في ثوان معدودة. ويشغل هذه الآلة «فاعل الخير» نفسه الذي يقوم بدور الجلاد.
Shafi da ba'a sani ba