ولكنني لا أحتاج إلى هذا الأمر مطلقا؛ لأنني أعتبر الكنيسة بناء روحيا لا ماديا، ولا أعرف لها رؤساء إلا الذين يفهمون حقيقتها، ويعملون طبق وصاياها، ولو كنت أعتبر أن الكنيسة هي عبارة عن مجمع بشري لا يتردد أحيانا لرداءة البشر عن مخالفة أعظم وصايا المسيح التي هي وصية المحبة، لكنا خرجنا منها منذ زمن طويل، نحن الذين نحفظ وصاياها، فليس الهراطقة والجاحدون إذن هم أولئك الذين يضلون وهم يفتشون عن الحقيقة، ولكنهم هم أولئك الذين لما جعلتهم كبرياؤهم رؤساء الكنيسة نزلوا أنفسهم منزلة القتلة الروحين، وخالفوا شريعة الكنيسة، التي هي شريعة المحبة، والتواضع، وإنكار الذات، وترك ملاذ العالم، ولو ماتوا خارج الكنيسة. أما الذي يعيشون في داخلها معيشة الفخفخة ويملأون صدورهم بالنياشين، ويزينون رءوسهم بالتيجان، ويطردون «كالرعاة الأردياء» الناس من الحظيرة التي هم رعاتها، فلا ريب أنه يجب أن يكونوا أقل أملا منهم في الغفران، وإذا حاول الرياء تأويل كلامي هذا فعبثا يحاول؛ لأن العقل السليم لا ينخدع، بل يفهم مقصودي منه.
الكونتس صوفيا تولستوي
فأجابها المطران بالكتاب الآتي:
حضرة الفاضلة الكونتس صوفيا تولستوي
إن المجمع المقدس بإعلانه سقوط زوجك من الكنيسة لم يتصرف بصرامة مطلقا، وإنما الصرامة بدت من زوجك بإنكاره الإيمان بيسوع المسيح ابن الله الحي فادينا ومخلصنا، فكان يجب عليك أن تحزني لهذا الأمر فقط، ولا مراء بأن زوجك لا يهلك من قطعة تلك الورقة المطبوعة، ولكنه يهلك لابتعاده عن ينبوع الحياة الأبدية؛ لأن لا حياة للمسيحي بدون الاتحاد مع المسيح الذي يقول: إنه لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية؛ لأنه هكذا أحب الله معالم حتى بذل ابنه الوحيد كي لا يهلك كل من يؤمن به؛ بل تكون له الحياة الأبدية، والذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله. الحق الحق أقول لكم، إن الذي يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية ولا يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة. «يوحنا ص3 عدد 15 و16 وص5 عدد 24». ولذلك نقدر أن نقول كلمة واحدة عمن ينكر المسيح، وهو أنه ينتقل من الحياة إلى الموت، وعلى ذلك يتوقف هلاك زوجك، وإنه هو وحده جنى على نفسه هذا الهلاك وليس أحد سواه.
إن الكنيسة تتألف من جماعة المؤمنين بالمسيح، والتي لم تزالي أنت تابعة لها مع المؤمنين بها وأعضائها. نعم، إن تلك الكنيسة تبارك باسم الله جميع حوادث حياة الإنسان الكبرى من الولادة، والزواج، والموت، والأفراح، والأتراح، ولكنها لا تستطيع ولن تستطيع أن تفعل ذلك مع الغير المؤمنين، مع الوثنين، مع المجدفين على اسم الله الذين ينكرونها، والذين لا يقبلون منها الصلاة والبركة، وبالإجمال مع جميع الذين لا يعدون ذواتهم أعضاء لها، ومن هذا القبيل كان تصرف المجمع غير قابل الانتقاد، بل مفهوما واضحا كيوم الله، وهي لم تحد يمينا أو شمالا عن شريعة المحبة والصفح والرحمة. نعم، إن رحمة الله لا تحيد، ولكنها لا تصفح عن الجميع، ولا عن كل شيء، «ومن جدف على الروح القدس فلن يغفر له لا في هذا العالم ولا في الآتي.» «متى ص12 عدد 32».
إن الرب بحسب محبته لنا يريد خلاص الإنسان، ولكن الإنسان يبتعد أحيانا عن هذه المحبة، ويهرب من وجه الله فيهلك نفسه، وإن المسيح صلى من أجل أعدائه عندما كان مرفوعا على الصليب، ولكنه في تلك الصلاة لفظ كلمة مرة لمحبته وهي «أنه لم يهلك أحد منهم إلا ابن الهلاك»، وأما زوجك فما دام حيا لا نقدر أن نحكم عليه بالهلاك، ولكننا صرحنا بحقيقة حاله بأنه سقط من الكنيسة، ولم يعد عضوا لها ما لم يتب ويرجع إليها، وإن المجمع في منشوره لم يكن إلا شاهدا على نفس عمل الكونت فقط، ولذلك فلا يسخط عليه إلا الذين لا يدركون ما يفعلون. تقولين في كتابك إن الناس زادوا تعلقا بزوجك وإن الشواهد على ذلك تردكم من جميع أقطار الأرض، ولا عجب في ذلك، ولكني أقول لك: إنه ليس في ذلك شيء من التعزية لقلبك؛ لأنه لا يوجد مجد عالمي ومجد إلهي، قال الرسول: «كل مجد إنسان كزهر عشب الحقل، العشب يبس وزهره سقط، وأما كلمة الرب فتثبت إلى الأبد.» «مط 1 ص1 عدد 24 ود 35».
ولما نشرت الجرائد في العالم الماضي خبر مرض زوجك الكونت تولد لدى رجال الدين سؤال عام، هو هل يجوز لهم أن يصلوا على جثته ويدفنوه بموجب طقوس الكنيسة مع إنكاره الإيمان بالمسيح والكنيسة؟ وعلى أثر ذلك وردت للمجمع أسئلة عديدة بهذا الشأن، فأصدر إذ ذاك أمرا سريا للكهنة، لا يستطيع إصدار غيره، وهو أنه إذا مات الكونت دون أن يتوب ويرجع إلى الكنيسة، فلا يجوز لهم الصلاة عليه ودفنه حسب طقوس الكنيسة، وليس في ذلك تهديد لأحد، وأنا لا أظن أنه يوجد كاهن حتى ولو فاسدا يقدم للصلاة على الكونت، ولو أنه صلى عليه كغير مؤمن فيكون عمله مخالفا لأساس الطقس المقدس، ولماذا تستعملين القوة على زوجك؟ فإنه بدون شك لا يريد أن يدفن بحسب الديانة المسيحية.
أنت لم تزالي حية، وما دمت تعدين نفسك عضوا للكنيسة التي هي بالحقيقة رباط أشخاص أحياء عقلاء يعيشون مع بعضهم باسم الله الحي، وأن إقرارك بأنك تعتبرين الكنيسة بناء روحيا يسقط ادعاؤك سقوطا تاما، وعبثا توبخين خدمة الكنيسة، وتنسبين إليهم الرداءة، ومخالفة أعظم وصايا المسيح التي هي وصية المحبة ، فالمجمع بإصداره ذلك الحكم لم يخالف تلك الوصية؛ بل بالعكس فإن عمله عمل محبة، ودعوة زوجك للرجوع إلى الكنيسة، ودعوة المؤمنين للصلاة من أجله. أما رعاة الكنيسة فإن الرب جعلهم في رأسها، وليس الكبرياء كما تدعين، وإنهم يرتدون التيجان والنجوم في وقت خدمتهم فقط، وأما في الخارج فإنهم يرتدون المسوح، ولم يزالوا يعاملون بالطرد والاضطهاد والاحتقار.
وفي الختام أرجوك المعذرة؛ لأني أخرت جوابي إليك لحد الآن، فإنني انتظرت ريثما يخمد وطيس غضبك وتأثرك الشديد، ثم إني أسأله تعالى أن يباركك، ويحفظك، ويرحم الكونت زوجك.
Shafi da ba'a sani ba