Madhahib Al-Nas fi Sifat Al-Mahabba Lillah Azza wa Jal
مذاهب الناس في صفة المحبة لله عز وجل
Nau'ikan
في الصحيحين عن النبي ﷺ أنه قال: «إذا أحب الله العبد نادى يا جبريل إني أحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء أن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض» (^١).
عن ابن عباس ﵄ ﴿سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦)﴾ [مريم: ٩٦] قال: يحبهم ويحبونه (^٢) (^٣).
وقد دل الحديث الذي في الصحيحين على أن ما يجعله من المحبة في قلوب الناس هو بعد أن يكون هو قد أحبه وأمر جبريل أن ينادي بأن الله يحبه، فنادى جبريل في السماء أن الله يحب فلانًا فأحبوه (^٤).
فإن قيل: المحبة والرضا يقتضيان ملاءمة ومناسبة بين المُحِب والمحبوب، ويوجب للمُحِب بدَرَك محبوبه فرحًا ولذةً وسرورًا ...
والملاءمة والمنافرة تقتضي الحاجة، إذ ما لا يحتاج الحي إليه لا يحبه، وما لا يضره كيف يبغضه، والله غني لا تجوز عليه الحاجة، إذ لو جازت عليه للزم حدوثه وإمكانه وهو غني عن العالمين، وقد قال تعالى - في الحديث القدسي -: «يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني» (^٥)، فلهذا فسرت المحبة والرضا بالإرادة إذ يفعل النفع والضر.
فنقول: جمهور أهل السنة على أن (المحبة والرضا والغضب والسخط ليس هو مجرد الإرادة) (^٦). ويجاب على قولكم من وجهين:
أحدهما: الإلزام وهو أن نقول: الإرادة لا تكون إلا للمناسبة بين المريد والمراد، وملاءمته في ذلك تقتضي الحاجة، وإلا فما لا يحتاج إليه الحي لا ينتفع به ولا يريده، ولذلك إذا أراد به العقوبة والإضرار لا يكون إلا لنفرة وبغض، وإلا فما لم يتألم به الحي أصلًا لا يكرهه، ولا يدفعه، وكذلك نفس نفع الغير وضرره هو في الحي متنافر من الحاجة، فإن الواحد منا إنما يحسن إلى غيره لجلب منفعة، أو دفع مضرة، وإنما يضر غيره لجلب منفعة، أو دفع مضرة.
فإذا كان الذي يثبت صفة وينفي أخرى يلزمه فيما أثبته نظير ما يلزمه فيما نفاه، لم يكن إثبات إحداهما ونفي الأخرى أولى من العكس، ولو عكس عاكس فنفى ما أثبته من الإرادة، وأثبت ما نفاه من
(^١) رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة صلوات الله عليهم ص (٤/ ٧٩)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب إذا أحب الله عبدا حببه لعباده، ص (٨/ ٤٠). (^٢) زاد المسير لابن الجوزي، ص (٥/ ٢٦٦). (^٣) النبوات ص ١٢٧. (^٤) المصدر السابق ص ١٣١، مجموع الفتاوى ص (١٠/ ٧٤ - ٧٥). (^٥) رواه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم الظلم، ص (٨/ ١٦). (^٦) مجموع الفتاوى ص (١١/ ٣٥٥).
1 / 12