ولكنه ممن يحب غريب
إلى آخر القصيدة. وإن عبد الصمد حين سمعها لم ينطق بحرف! وعندي أن صاحب هذه القصيدة لم يوفق في وصف مشاعره وصفا منظما يصح أن يكون «صورة شعرية» بل نراه جمع بين أشياء متنافرة حظها من الائتلاف قليل؛ ألا تراه يذكر في أول القصيدة أنه قريب، ولكنه في قربه غريب؛ لأن إنسانا غيره يتمتع بذلك الحبيب؟ ثم ألا تراه بعد ذلك يذكر أنه يحاذر الوصل طائعا لئلا يصيبه ويصيب من يهواه سهم الفراق؟ وهذا بالطبع شطط في تصوير النفس المعذبة، لأن الذي يتصور أن محبوبه قد يطوق بذراع عاشق غيره لا يتغنى بأنه يترك مواصلته اتقاء لعيون الوشاة!
ينقص هذه القصيدة إذن ما أسميه «الصورة الشعرية» ولا يمنع هذا أن تكون في جملتها جميلة لما تحويه من الأبيات المختارة، ولئن صح أن العتبي صادق على أن صاحبها أشعر الناس فإنا نشك في أذواق الأدباء الأقدمين ونرتاب في حاستهم الفنية، وأحب أن يفهم بعض الناس معنى «الحاسة الفنية» فإن كثيرا من أدعياء الأدب لا يفقهون ما يقولون وما يكتبون، فضلا عن أن يفقهوا ما تناثر على بساط الدهر من ثمرات العقول!
وأمثال هؤلاء يعرفون فقط ما يسمع أو يرى أو يلمس أو يشم أو يذاق! ولكنهم لا يعرفون ما يدرك، إذ لم يرزقوا الإدراك! ومحال أن يجدوا طعما لقول الشاعر:
أسمع في قلبي دبيب المنى
وألمس الشبهة في خاطري
لأنهم لا يدرون أين تكون الخواطر، وأين تكون القلوب! من أجل هذا أشير على طالب الأدب بأن يتروى ويتريث حين يقرأ آثار الكتاب والشعراء، وأن لا يعتمد في اختياره على الأذواق العامة لعلماء البيان، فقد غفل الدهر عن كثير من المتصدرين فظنوا أنهم على شيء، وأن الأدب لحياتهم مدين!
وقد يمر العاشق ببيت من يهوى ثم لا يملك التحية، لأن الوشاة له بالمرصاد. فمن ذلك قول السري الرفاء:
مررنا بالعقيق فكم عقيق
ترقرق في محاجرنا فذابا
Shafi da ba'a sani ba