الفرق بين المدح والرثاء - دالية الأعشى - لامية كعب بن زهير - مدائح حسان - مدائح علي بن أبي طالب - ميمية الفرزدق - مدح أهل البيت - النسيب في صدور المدائح النبوية. *** (1)
المدائح النبوية من فنون الشعر التي أذاعها التصوف، فهي لون من التعبير عن العواطف الدينية، وباب من الأدب الرفيع؛ لأنها لا تصدر إلا عن قلوب مفعمة بالصدق والإخلاص.
وأكثر المدائح النبوية قيل بعد وفاة الرسول، وما يقال بعد الوفاة يسمى رثاء، ولكنه في الرسول يسمى مدحا، كأنهم لحظوا أن الرسول
صلى الله عليه وسلم
موصول الحياة، وأنهم يخاطبونه كما يخاطبون الأحياء. وقد يمكن القول بأن الثناء على الميت لا يسمى رثاء إلا إذا قيل في أعقاب الموت؛ ولذلك نراهم يقولون: «قال حسان يرثي النبي
صلى الله عليه وسلم » ليفرقوا بين حالين من الثناء: ما كان في حياة الرسول، وما كان بعد موت الرسول، بخلاف ما يقع من شاعر ولد بعد وفاة النبي
صلى الله عليه وسلم ، فإن ثناءه عليه مديح لا رثاء؛ لأنه لا موجب للتفرقة بين حال وحال، ولأن الرثاء يقصد به إعلان التحزن والتفجع، على حين لا يراد بالمدائح النبوية إلا التقرب إلى الله بنشر محاسن الدين، والثناء على شمائل الرسول. (2)
ولم يعن أحد من القدماء أو المحدثين بتأريخ هذا الفن في اللغة العربية؛ لأن الذين أجادوه لم يكونوا في الأغلب من فحول الشعراء، ولأنه لم يطرد في التاريخ، ولم يكن فنا ظاهرا بين الفنون الشعرية كالرثاء، والوصف، والنسيب، وإنما هو فن نشأ في البيئات الصوفية، ولم يهتم به من غير المتصوفة إلا القليل، غير أنه مع ذلك جدير بالدرس؛ لأن فيه بدائع من القصائد والمقطوعات، ولأن له شمائل غير شمائل المديح، ولأن لأصحابه غايات دينية وأدبية خليقة بأن تدرس، وبأن يرفع عنها إصر الخمول.
وسنحاول في هذا الكتاب تأريخ هذا الفن من بدء ظهوره إلى اليوم، والإشادة بالشخصيات القوية التي نشرت أعلامه في تاريخ اللغة العربية، وتحليل القصائد التي أثرت في البيئات الشعبية، والكشف عما في آثار هذا الفن من الألفاظ والتعابير والمصطلحات. ولسنا نزعم أننا سنستقصي كل ما يتصل بهذا الفن، فذلك يحتاج إلى مجلدات، وإنما نرجو أن نشعر القارئ بأنا كشفنا النقاب عن فن مجهول كان خليقا بأن يشغل الباحثين في تاريخ الأدب، ولكنهم انصرفوا عنه، كما انصرفوا عن درس البلاغة الدينية، مع أنه في جملته أجود من بعض ما شغلوا به كتشبيهات ابن المعتز، ومدائح البحتري، وخمريات أبي نواس. (3)
من أقدم ما مدح به الرسول
Shafi da ba'a sani ba