318

Madaih Nabawiyya

المدائح النبوية في الأدب العربي

Nau'ikan

وتلك المنظومات الشعرية ساذجة في ألفاظها ومعانيها؛ فهي ليست من الأدب الفحل، ولكن قيمتها ترجع إلى عمق أثرها في البيئات الشعبية. (5)

ومن التحامل أن ننكر قيمة هذه الموالد من الوجهة الأدبية؛ فقد نقلت إلى الجماهير شيئا من أخبار الغزوات، وحدثتهم عن أشياء كثيرة من شمائل الرسول، ثم صارت مع الزمن عنصرا من الحياة الغنائية، وأصبحنا نفتح دفتر التليفون فنجد أسماء كثيرة لناس يحترفون إنشاد قصة المولد النبوي، وهي حرفة شريفة لأن أهلها في الأغلب ينتظر منهم أن يكونوا من الأتقياء الصالحين. ومع أن الغناء تحول في الأيام الأخيرة إلى الأوساط العصرية فإنه لا يزال للشيخ علي محمود، والشيخ إسماعيل سكر، والشيخ حسن جابر، سلطان عظيم في الأوساط الشعبية. ومحطة الإذاعة الحكومية في مصر تهتم بدعوة أمثال الشيخ علي محمود والشيخة منيرة عبده لتلاوة الموالد النبوية، فينشدون قصائد بعضها في الحب، وبعضها في مدح الرسول، والجمهور يتلقى ذلك بكثير من الارتياح.

والواقع أن أكثر المغنين المشهورين كانوا في البداية من الذين ينشدون في حلقات الذكر ويقرءون قصة المولد النبوي. (6)

ولا بد من الإشارة إلى أن روح التشيع سرى إلى بعض من يقرءون قصة المولد النبوي بدون أن يتنبهوا إلى ذلك؛ فقد سمعت منهم قصائد في التفجع لمصرع الحسين.

والتصوف والتشيع يرجعان عند المسلمين إلى أصل واحد ولا يفصل بينهما إلا حاجز غير حصين من الرسوم والتقاليد. (7)

والذي يراجع الموالد النبوية يجدها مملوءة بالخرافات والأضاليل، وقد احتمل الناس لغوها زمنا طويلا؛ لأنها لم تكن تتلى إلا في البيئات العامية التي تصدق كل شيء، ولكن اتفق أخيرا أن أذاع وزير الأوقاف السابق سعادة محمد نجيب الغرابلي باشا في شهر ربيع الثاني سنة 1353ه كتابا في الصحف بين فيه أن الصيغ التي وضعت للمولد النبوي صيغ قديمة كانت تتفق في روحها وأسلوبها وألفاظها مع العصور التي وضعت فيها، ولكنها لا تتفق مع العصور الحالية، وأنها حشيت بقصص ضعيفة السند لا تصور المعروف من مولد الرسول وحياته في صورته الصحيحة. ثم دعا أهل العلم إلى وضع صيغة جديدة للمولد يراعى فيها أولا تحري الأخبار الصحيحة الثابتة عن مولد الرسول وحياته، وثانيا اتفاق الصيغة في روحها وأسلوبها مع العصر الحاضر، ثم وعد بتقديم مائة جنيه لمن يقدم أفضل صيغة للمولد النبوي.

وقد قوبل كتاب وزير الأوقاف بالترحيب من الهيئات العلمية والأدبية، ولكن الدكتور طه حسين كتب يناقشه في جريدة الوادي في العدد الذي صدر مساء الأربعاء أول أغسطس سنة 1934م، ومع أن الدكتور طه حسين كتب مقاله وهو متأثر بالمعارضة الحزبية لذلك الوزير، فإن مقاله على ما فيه من عنف يفسر حياة تلك الموالد في الجماهير الشعبية، وهو يراها تثير العاطفة وترضي الذوق، ويرى من الأصلح ألا يحرم الناس من خيال لا يخالف الدين، ولا يفسد على الناس أمرا من أمور الإيمان، ثم قال: وأي بأس على المسلمين في أن تتحدث إليهم قصص بهذه الأحاديث الحلوة العذاب فتنبئهم بأن أمم الطير والوحش كانت تختصم بعد مولد النبي، كلها يريد أن يكفله ولكنها ردت عن هذا؛ لأن القضاء سبق بأن رضاع النبي سيكون إلى حليمة السعدية؟ وأي بأس على المسلمين في أن يسمعوا أن الجن والإنس والحيوان والنجوم تباشرت بمولد النبي، وأن الشجر أورق لمولده، وأن الروض ازدهى لمقدمه، وأن السماء دنت من الأرض حين مس الأرض جسمه الكريم؟ لم تصح الأحاديث بشيء من هذا ولكن الناس يحبون أن يسمعوا هذا، ويرون في التحدث به والاستماع إليه تمجيدا للنبي الكريم لا بأس به ولا جناح فيه، وأي بأس على المسلمين في أن يسمعوا أن نفرا من الملائكة أقبلوا إلى النبي وهو طفل يلعب فأضجعوه، وشقوا عن قلبه وغسلوه حتى طهروه، ثم ردوه كما كان، وأقاموه كأن لم يصبه مكروه؟ لم يصح الحديث بهذا، ولكن المسلمين يتحدثون به، ويستمعون له منذ أكثر من اثني عشر قرنا لم يفسد لذلك ذوقهم ولم يضعف إيمانهم ... إن من فاحش الخطأ أن يضيق على الجماهير حتى في القصص البريء، إن من فساد الذوق ألا يباح للجماعات إلا الحق الذي لا حظ للخيال فيه، إن من سوء العناية بالدين أن يكف الخيال عن تأييد الدين.

ومعنى هذا الكلام أن مؤلفي الموالد خدموا الدين بما أذاعوا من الأساطير، وهذا حق من جانب، وخطأ من جانب.

هو حق لأن الخيال يزيد في أنس الناس بالدين، وأكثر الديانات تأصلا في أنفس الجماهير هي الديانات التي تفيض بالخرافات والأساطير، ولا تزال المذاهب المسيحية تقتسم أهواء الناس على هذا الأساس.

وهو خطأ لأنه ينشئ الناس إنشاء فاسدا، ويضيع على الإسلام عددا عظيما من أبنائه الذين يرضيهم أن يقوم دينهم على أساس العقل، ويسوءهم أن يروا في معتقداتهم صورا من وثنية الهنود والفرس واليونان. (8)

Shafi da ba'a sani ba