فصل من صدر كتاب المسائل والجوابات في المعرفة
بالله نستعين، وعليه نتوكل، وما توفيقنا إلا بالله.
اختلف الناس في المعرفة اختلافا شديدا، وتباينوا فيها تباينا مفرطا. فزعم قوم أن المعارف كلها فعل الفاعلين إلا معرفة لم يتقدمها سبب منهم، ولم يوجبها علة من أفعالهم. ولم يرجعوا إلى معرفة الله ورسوله، والعلم بشرائعه، ولا إلى كل ما فيه الاختلاف والمنازعة، وما لا يعرف حقائقه إلا بالتفكر والمناظرة، دون درك الحواس الخمس.
فزعموا أن ذلك أجمع فعلهم، على الأسباب الموجبة، والعلل المتقدمة، وجعلوا مع ذلك سبيل المعرفة بصدق الأخبار، كالعلم بالأمصار القائمة، والأيام الماضية، كبدر وأحد والخندق، وغير ذلك من الوقائع والأيام، وكالعلم بفرغانة والأندلس، والصين والحبشة، وغير ذلك من القرى والأمصار سبيل الاكتساب والاختيار؛ إذ كانوا هم الذين نظروا حتى عرفوا فصل ما بين المجيء الذي لا يكذب مثله، والمجيء الذي يمكن الكذب في مثله.
Shafi 47