Macqul da Ba Macqul
المعقول واللامعقول في تراثنا الفكري
Nau'ikan
ولقد زعمت في الفصل السابق أن المرحلة الإدراكية الأولى من مراحل تراثنا الفكري، كان يغلب عليها طابع الفطرة السليمة، التي تحدس الحقيقة حدسا نافذا، يصل إلى الحكم العام بغير تحليل لعناصره أو إقامة البرهان على صوابه، ولست أدري هل أحس القارئ ما أحسسته، ونحن نستعرض معا ما تفاعل به المحاربون في واقعة صفين، من أن الرجل منهم كان يمسك بالفكرة المعينة وكأنه يمسك بسيفه أو يمتطي جواده، أعني أن «الفكرة» عندئذ لم تكن نظرية مجردة، بل كانت أقرب إلى أداة من أدوات الحرب؛ ولذلك فقد تشابكت الأفكار مع السيوف والجياد في نسيج واحد، لا نفرق فيه بين خيط وخيط.
وبعد ذلك فقلب معي صفحات الرائعة الأدبية التي تسمى «نهج البلاغة» وقل لي: أين ينتهي الأديب ليبدأ الفيلسوف؟ وأين ينتهي الفيلسوف الأديب ليبدأ الفارس؟ ثم أين ينتهي هذا ليبدأ السياسي؟ إنه لا فواصل ولا فوارق؛ ففي هذه المختارات خطب ورسائل وأحكام وحجاج وشواهد امتزج فيها الأدب بالحكمة، والحكمة بالأريحية، وهاتان بما نسميه اليوم سياسة يسوس بها الحاكم شعبه، أو يداور بها المفاوض خصمه ويحاوره.
فلنقرأ للإمام علي هذه العبارات لنرى كيف صيغت الأحكام الفلسفية العامة في لفظ أخاذ: - من ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق. - قلما أدبر شيء فأقبل. - كفى بالمرء جهلا ألا يعرف قدره. - لسان الصدق خير من المال الموروث. - ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. - لا رأي لمن لا يطاع. - الوفاء توءم الصدق. - ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه. - المنجم كالكاهن، والكاهن كالساحر، والساحر كالكافر، والكافر في النار. - إن أنصح الناس لنفسه أطوعهم لربه، وإن أغشهم لنفسه أعصاهم لربه . - ما كل ذي قلب بلبيب، ولا كل ذي سمع بسميع، ولا كل ناظر ببصير. - من عشق شيئا أعشى بصره، وأمرض قلبه. - كم من منقوص رابح، ومزيد خاسر! - إن يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة؛ فإن الشاذ من الناس للشيطان، كما أن الشاذ من الغنم للذئب. - الحكمة حياة للقلب الميت، وبصر للعين العمياء. - العامل بغير علم كالسائر على غير طريق.
وهاك أمثلة من طريقته في المناظرة والجدل؛ لترى كيف اجتمع عنده حس الأديب بذهن المفكر. [لما نقل إليه جماعة من الناس أنباء السقيفة من مبايعة أبي بكر للخلافة.]
قال: ما قالت الأنصار؟
قالوا: قالت: منا أمير ومنكم أمير.
قال: فهلا احتججتم عليهم بأن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وصى بأن يحسن إلى محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم؟
قالوا: وما في هذا من الحجة عليهم؟
Shafi da ba'a sani ba