Ma'anar Rayuwa: Gabatarwa Ta Gajere
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
غير أن سؤال «كيف نشأ الوجود؟» بالنسبة للعديد من الفلاسفة - لا سيما الفلاسفة الأنجلو ساكسونيين - يعد نموذجا بارزا للأسئلة الزائفة. ففي رأيهم، لن يكون من الصعب - إن لم يكن من المستحيل - الإجابة عنه فحسب؛ بل إن هناك ريبة عميقة في وجود شيء للإجابة عنه من الأساس. في الواقع إنه - بالنسبة لهم - مجرد طريقة تيوتونية مملة لقول «يا للروعة!» ربما يصلح هذا السؤال لشاعر أو متصوف، ولكنه لا يصلح للفيلسوف. والحواجز بين المعسكرين في العالم الأنجلو ساكسوني على الأخص محصنة بصرامة.
في عمل مثل «تحقيقات فلسفية»، كان فيتجنشتاين يقظا للفارق بين الأسئلة الحقيقية والأسئلة المزيفة. فيمكن لقطعة لغوية أن تتخذ الشكل النحوي للسؤال، ولكنها في الواقع ليست سؤالا. أو يمكن لقواعدنا النحوية أن تضللنا وتدفعنا نحو الخلط بين نوع من الافتراضات وآخر. فعبارة مثل «ماذا بعد يا بني وطني، ما إن ينتهي العدو ويختفي، ألا يمكننا أن نحقق إنجازات في ساعة الانتصار؟» تبدو في وقعها كسؤال ينتظر إجابة، إلا أنه في الحقيقة سؤال بلاغي قد يكون من غير الحكمة الرد عليه ب «لا شيء». فالكلام يلقى في شكل استفهامي ببساطة من أجل تعزيز قوته الدرامية. والأسئلة على شاكلة «ماذا في هذا؟» و«لم لا تغرب عن وجهي؟» و«فيم تحدق؟» تبدو كأسئلة في وقعها، ولكنها ليست كذلك في الواقع. كذلك قد يبدو السؤال «في أي موضع من الجسم تقع الروح؟» كنوع معقول من الأسئلة لطرحها، ولكن فقط لأننا نفكر فيه على وزن سؤال مثل «في أي موضع من الجسم تقع الكليتان؟» كذلك يتخذ السؤال «أين مركز الحسد لدي؟» شكل سؤال مقبول، ولكن ذلك فقط لأننا نصوغه بلا وعي على وزن «أين إبطي؟»
شكل 1-1: لودفيج فيتجنشتاين، الذي يعتبره الكثيرون أعظم فلاسفة القرن العشرين. (© Hulton Archive/Getty Images)
وقد توصل فيتجنشتاين إلى الاعتقاد بأن الكثير جدا من الألغاز الفلسفية تنشأ من سوء استخدام الناس للغة بهذه الطريقة. ولنأخذ - على سبيل المثال - عبارة «لدي ألم»، والتي تتطابق لغويا مع عبارة «لدي قبعة»، إن هذا التشابه قد يضللنا بالاعتقاد بأن الآلام، أو «الخبرات» بشكل عام، هي أشياء نمتلكها مثلما نمتلك القبعات. ولكن سيكون غريبا أن تقول «فلتأخذ ألمي.» وعلى الرغم من أنه سيكون من المنطقي أن تقول «هل هذه قبعتك أم قبعتي؟» فسوف يبدو غريبا أن تتساءل «هل هذا ألمك أم ألمي؟» ربما يوجد العديد من الأشخاص في إحدى الغرف وهناك ألم ينتشر بين أرجائها؛ وعندما يتلوى كل شخص فيها بدوره من الألم الشديد، نصيح قائلين: «آه، ها هو الآن بحوزته.»
يبدو هذا مجرد أمر سخيف، ولكنه في الواقع له بعض التداعيات الخطيرة نوعا ما. إن فيتجنشتاين لديه القدرة على فصل القواعد اللغوية لعبارة «لدي قبعة» عن القواعد اللغوية لعبارة «لدي ألم»، ليس فقط بطريقة تلقي الضوء على استخدام الضمائر الشخصية مثل «أنا» و«هو»، وإنما أيضا بطرق تقوض الافتراض القديم الراسخ بأن خبراتي هي نوع من الملكية الخاصة. بل إنها في الواقع تبدو كملكية خاصة ربما أكثر من قبعتي؛ إذ إن بإمكاني إهداء قبعتي للغير، ولكن ليس ألمي. ويوضح لنا فيتجنشتاين كيف أن القواعد اللغوية تخدعنا بدفعنا نحو التفكير بهذا الأسلوب، ولحجته تبعات متطرفة، بل تبعات متطرفة سياسيا.
إن مهمة الفيلسوف - في اعتقاد فيتجنشتاين - لم تتمثل في حسم هذه التساؤلات بقدر ما تمثلت في «تبديدها»؛ أي إظهار أنها نابعة من خلط نوع من «الألعاب اللغوية» - مثلما أطلق عليها - بآخر. فنحن مسحورون ببنية لغتنا، وكانت مهمة الفيلسوف هي تنويرنا من خلال الفصل بين مختلف استخدامات الكلمات. فنظرا لوجود درجة حتمية من التجانس والتماثل بشأنها، تميل اللغة إلى جعل أنواع مختلفة من الكلام تبدو متماثلة إلى حد كبير، مما حدا بفيتجنشتاين إلى التفكير في تذييل كتابه «تحقيقات فلسفية» باقتباس من مسرحية «الملك لير»: «سوف أعلمك الاختلافات.»
لم تكن تلك الرؤية مقتصرة على فيتجنشتاين وحده. فقد توقعها أحد أعظم فلاسفة القرن التاسع عشر أجمع، وهو فريدريك نيتشه، عندما تساءل عما إذا كان السبب في فشلنا في التخلص من فكرة الإله يعزى إلى قواعدنا اللغوية. فلما كانت قواعدنا اللغوية تتيح لنا تركيب وإنشاء الأسماء - والتي تمثل كيانات متمايزة - فإنها تجعل من المقبول أيضا أن يكون هناك إمكانية لوجود نوع من اسم الأسماء - أي كيان خارق يعرف باسم الإله - والذي بدونه قد تتداعى جميع الكيانات الصغيرة الأخرى المحيطة بنا. غير أن نيتشه لم يكن يؤمن بالكيانات الخارقة ولا بالكيانات العادية. فقد كان يعتقد أن مجرد فكرة وجود أشياء مختلفة - مثل الإله أو ثمار عنب الثعلب - كانت مجرد تأثير تجسيدي للغة. ولا شك أنه كان يؤمن بذلك فيما يتعلق بالذات الفردية، والتي لم يكن يراها أكثر من مجرد خيال مريح. وكما أشار ضمنا في الملحوظة المذكورة أعلاه، ربما هناك قواعد لغوية بشرية لم تكن هذه العملية التجسيدية متاحة فيها. ربما تكون هذه هي لغة المستقبل التي سيتحدث بها الإنسان الخارق الذي تجاوز كليا حدود الأسماء والكيانات المنفصلة، ومن ثم تجاوز فكرة الإله والأوهام الميتافيزيقية المشابهة. ويتبنى الفيلسوف جاك دريدا - وهو مفكر يدين بالكثير من أفكاره لنيتشه - نظرة أكثر تشاؤمية في هذا الصدد. ففي رأيه - وكذا في رأي فيتجنشتاين - أن مثل هذه الأوهام والخيالات الميتافيزيقية هي جزء أصيل من البنية الأساسية للغتنا ولا يمكن استئصالها. وينبغي على الفيلسوف ببساطة أن يشن ضدها حربا متواصلة كحرب كانوت العظيم؛ وهي معركة يراها فيتجنشتاين كنوع من العلاج اللغوي، فيما يطلق عليها دريدا «التفكيك».
3
ومثلما كان نيتشه يعتقد أن الأسماء لها تأثير تجسيدي، كذلك قد يعتقد أحدهم ذلك بشأن كلمة «حياة» في سؤال «ما معنى الحياة؟» وسوف نتناول هذا بمزيد من التفصيل لاحقا. كذلك قد يعتقد أن السؤال يغير من شكله دون وعي إلى نوع مختلف تماما من الأسئلة، وأن تلك هي النقطة التي اتخذ فيها مسارا خاطئا. يمكننا أن نقول «هذا يساوي دولارا، وذاك أيضا، إذن كم يساوي الاثنان معا؟» ومن ثم يبدو وكأن بإمكاننا أن نقول أيضا «هذا الجزء من الحياة له معنى، وكذا ذلك الجزء، إذن ما مجموع المعنى الخاص بكل الأجزاء المختلفة؟» ولكن حقيقة أن الأجزاء لها معنى لا تستتبع أن يكون للكل معنى يفوقها، مثلما لا يستتبع بالضرورة أن تؤدي الكثير من الأشياء الصغيرة إلى تكوين شيء واحد كبير لمجرد أنها جميعا ذات لون وردي.
ولا شك أن كل هذا لا يقربنا ولو خطوة إلى معنى الحياة. غير أن الأسئلة تستحق البحث، إذ إن طبيعة أي سؤال لها أهمية في تحديد ما قد يعتبر إجابة له. بل يمكن في الواقع الادعاء بأن الأسئلة - وليس الإجابات - هي الشيء الصعب. فمن المعروف جيدا أي نوع من الإجابات يمكن لسؤال تافه أن يثيرها ، فيما يمكن لطرح النوع المناسب من الأسئلة أن يفتح عالما كاملا جديدا من المعرفة، مما يجلب تساؤلات حيوية أخرى تهرول في أعقابها. ويرى بعض الفلاسفة - من المنتمين لما يدعى الحركة الفكرية التفسيرية - أن الواقع أيا كان شكله هو ما يقدم إجابة لأي سؤال. والواقع - الذي يشبه مجرما محنكا لا يتكلم تلقائيا دون أن يتم استجوابه أولا - لن يجيبنا إلا بما يتوافق مع نوعيات التساؤلات التي نطرحها عليه. وقد ذكر كارل ماركس ذات مرة - بشكل غامض نوعا ما - أن البشر لا يثيرون مثل هذه المسائل إلا بالقدر الذي يستطيعون حله؛ بمعنى أنه ربما إذا كان لدينا العتاد المفاهيمي اللازم لطرح السؤال، يكون لدينا مبدئيا الوسيلة لتحديد إجابة له.
Shafi da ba'a sani ba