Ma'anar Rayuwa: Gabatarwa Ta Gajere
معنى الحياة: مقدمة قصيرة جدا
Nau'ikan
إن ترويلوس من نوعية الوجوديين الذين يعتبرون الأشياء في حد ذاتها عديمة القيمة والمعنى؛ ولا تكتسب قيمة ومعنى إلا من خلال الطاقات الإنسانية المستثمرة فيها. إن هيلين في رأيه ذات قيمة غالية؛ لأنها كانت السبب وراء حرب مجيدة، وليس أنها تسببت في حرب نظرا لقيمتها الغالية. في المقابل، يتمسك هكتور الأقل اندفاعا بنظرية أكثر «جوهرية» للقيمة: فالقيمة من منظوره هي مزيج من المنسوب والمتأصل. فالأشياء ليست عالية القيمة وحسب، ولكنها تكون ثمينة أو عديمة القيمة في ذاتها. ولا شك أنه محق إلى حد ما؛ فالصحة والسلام والعدالة والحب والسعادة والدعابة والرحمة، وما إلى ذلك كلها معان مرشحة للدخول ضمن فئة المعاني ذات القيمة المتأصلة. وكذلك الحال بالنسبة لأشياء مثل الطعام والماء والدفء والمأوى، والتي نحتاج إليها من أجل البقاء. ولكن الكثير مما قد يعتقد هكتور نفسه أنه ذو قيمة متأصلة - كالذهب مثلا - هو قيم بالفعل بموجب الاتفاق المشترك فقط. ويعي شكسبير جيدا أوجه التشابه بين القيمة والمعنى. ودائما ما تركز مسرحياته على مسألة ما إذا كانت المعاني متأصلة أم نسبية. فقد عاش في نقطة تحول تاريخية من إيمان بالأولى إلى إيمان بالأخيرة، وتربط مسرحياته هذا التحول بالغ الأهمية إلى تحول اقتصادي من القيم «المتأصلة» إلى «القيم التبادلية» التي أفرزتها قوى السوق.
3
يعود تاريخ النزاع بين أنصار «التأصلية» وأنصار «البنائية» لما بعد العصر الإليزابيثي. وفي دراسة تنويرية، يرجع فرانك فاريل تاريخ هذا النزاع إلى نهاية حقبة العصور الوسطى، والصراع بين اللاهوت الكاثوليكي واللاهوت البروتستانتي.
4
المشكلة هي أنه إذا كان الإله مطلق القوة، فلا يمكن السماح للعالم بأن يكون له معان متأصلة أو أساسية، بالنظر إلى أن هذه المعاني كانت لتقيد حرية التصرف لديه لا محالة. ولا يمكن السماح للخلق بأن يمارس أية مقاومة ضد خالقه، ولا يمكن أن يكون له عقل واستقلالية خاصة به. ومن ثم بدا أن الوسيلة الوحيدة للحفاظ على حرية الإله وقدرته المطلقة هو تصفية العالم من المعنى المتأصل. ووفقا لذلك رأى المفكرون البروتستانت وجوب الحد من قوة الواقع، وتجريده من القوة التي نسبها إليه علماء اللاهوت الكاثوليكيون أمثال توما الأكويني. فقد كان لزاما أن يكون مبهما بشكل جذري، بحيث يصبح حينها مجرد مادة طيعة يستطيع الإله أن يحولها إلى أي شكل يشاء حسب هواه. وبذلك لن يكون عليه بعد ذلك أن يضع اعتبارا لحقيقة أن المرأة امرأة مثلا، إذ يستطيع بسهولة كبيرة أن يجعلها تتصرف كقنفذ إذا استهوته الفكرة. وهكذا يصبح العالم - كما هو الحال بالنسبة لما بعد الحداثة - جراحة تجميل ضخمة.
وعلى ذلك وجب أن تختفي الماهيات؛ أي فكرة أن الأشياء - بما فيها البشر - لها طبائع محددة وواضحة. فلو أنها استمرت، لاعترضت طريق قوة الإله العظمى. وقد كان «الواقعيون» الذين يؤمنون بمثل هذه الطبائع الواضحة في حالة تشاحن بالغة مع «الاسميين» الذين اعتبروها مجرد خيالات لفظية. وعلى ذلك، فإن هذا النوع من البروتستانتية ما هو إلا شكل أولي من النزعة اللاماهوية. وكما هو الحال مع نوع ما من النزعة اللاماهوية السائدة اليوم، فإنها تسير جنبا إلى جنب مع نوع من فلسفة الإرادية، أو عقيدة الإرادة. وما إن تختفي الطبائع الواضحة، سيتمكن الحكم المطلق للإله من النجاح أخيرا. وحينئذ سوف تصبح الأشياء على ما هي عليه لأن الإله أمر بذلك، وليس لذاتها. وفي هذا الصدد تستبدل حركة ما بعد الحداثة البشر بالإله. فالواقع ليس قائما بذاته، وإنما يتخذ الشكل الذي نمنحه إياه.
ويرى أنصار الفلسفة الإرادية أن التعذيب أمر خاطئ أخلاقيا؛ لأن إرادة الإله قد حكمت بأن يكون كذلك، وليس لأنه خطأ في حد ذاته. بل إنه لا يوجد شيء صواب أو خطأ في حد ذاته. فقد كان بإمكان الإله بكل سهولة أن يقرر جعل العجز عن تعذيب أحدنا للآخر جريمة تستحق العقاب. ولا يمكن أن يكون هناك مبرر لقراراته؛ لأن المبررات من شأنها أن تعوق حريته المطلقة في التصرف. وهكذا تسير اللاماهوية جنبا إلى جنب مع اللاعقلانية. وعلى غرار كل الطغاة، فإن الإله لاسلطوي؛ لا تحكمه قوانين أو منطق. فهو مصدر قوانينه ومنطقه، والتي وجدت لخدمة نفوذه وسلطانه. ومن ثم كان من الممكن إجازة التعذيب إذا تناسب مع أهدافه. وليس من الصعب التعرف على ورثة هذه العقائد في عالمنا السياسي.
غير أن تطهير العالم من الماهيات قد لا يخلي الطريق أمام الإرادة المطلقة. فماذا لو وجدت أثناء التخلص من الماهيات أنك قد أطحت بالنفس معها؟ إذا لم يكن للنفس طبيعة واضحة ومحددة أيضا، فإن إرادتها وشعورها بالقوة يدمران بشكل مميت. وعند الوصول لنقطة انتصارها الأعظم، تصاب بالخواء. وحقيقة عدم وجود معنى محدد للحياة حقيقة مبهجة ومزعجة في الوقت نفسه. فالنفس الفردية الآن قد اضطلعت بدور الإله كمشرع أعلى؛ ولكن يبدو أنها تشرع في الفراغ، على غرار الإله. فأوامرها الاستبدادية تبدو اعتباطية وبلا جدوى تماما مثل الأوامر الإلهية. وفي الأمور الأخلاقية، أحيانا ما يتخذ ذلك شكل ما يعرف بالفلسفة «القرارية»: فقتل الأطفال خطأ؛ لأنني - أو لأننا - اتخذنا قرارا أخلاقيا أساسيا ترتب عليها مثل هذه المحظورات. وكما يشير نيتشه: «الفلاسفة الحقيقيون ... هم قادة ومشرعون، فهم يقولون: هكذا يجب أن يكون الأمر!»
5
إن النفس التي كانت ذات يوم مستقلة وغالبة، أصبحت اليوم المصدر الأوحد للمعنى والقيمة في عالم جرد من الدلالة المتأصلة. غير أن انعدام المعنى هذا يبدو أيضا أنه قد اجتاح حرمها الداخلي. فهي تملك الحرية - شأنها شأن الإله - لنقش معانيها الخاصة على صفحة الكون البيضاء؛ غير أنه بالنظر لعدم وجود سبب موضوعي يبرر انتهاجها سلوكا معينا دون الآخر، يتضح أن هذه الحرية فارغة ومبددة لذاتها. حتى الإنسانية نفسها أصبحت نوعا من اللامعقولية.
Shafi da ba'a sani ba