هم أوقروا متني وهم قيدوا رجلي
مضى كل شيء كان للنفس سلوة
وهذي البقايا لا تعزي ولا تسلي
أعيذك يا أرض الأساود أن يرى
بك الماء غورا غير ري ولا ضحل
وأن تنبتي ما ليس تجنى ثماره
وأن تتغشاك السحاب بلا وبل
وعرفت حينئذ أن مقامي في أرض مسبعة، فما راعني إلا شيطان من أبي الهدى يحرق علي البلاد ويأبى أن يراني ضاربا بين أضواحها وأجزاعها. وافاني مصطفى ظافر ليلا، فرأيت الفزع باديا على وجهه، فقلت: ما وراءك؟
قال: قامت القيامة علينا وعليك. أبو الهدى أوعز إلى أحد الجواسيس واسمه «ضيا» فوشى إلى السلطان بأن بالآستانة جمعية خفية تعمل على الفتك به والانتصار لأعدائه، وأن رئيس هذه الجمعية هو المشير فؤاد باشا، وأني ورضا بك (هو الآن رضا باشا نزيل مصر) والشيخ أسعد شقير إمام آغا دار السعادة (هو الآن نائب أنطاكية بمجلس المبعوثان) ومحمود أفندي نديم (آخر وظيفة له هي متصرفية قره حصار التابعة لولاية سيواس) أعضاء هذه الجمعية، وأنك أنت قلم الجمعية؛ تنشر بجرائد مصر ما نحن نتفق عليه، ثم تأتي هذه الجرائد باسمك إلى إدارة البريد الفرنساوي فتوزعها علينا وعلى من يقول برأينا. وقد أخبر الجاسوس أن بإدارة البريد طردا من الجرائد جاء باسمك من مصر، فأنفذ السلطان أحد رجاله ليأخذ له ذلك الطرد فأبى البريد أن يسلمه إياه، هنالك كلموا سفير فرنسا المسيو قونستان، فأمر البريد أن يسلم الطرد وأن يسلم أيضا كل طرد ترتاب فيه حكومة السلطان، وقال: نحن لا نريد أن يكون بريدنا واسطة في دخول الدسائس إلى البلاد العثمانية، ولما نظروا الطرد وجدوه مكتوبا باسمك، فظهر صدق الجاسوس، واليوم أخذوا الشيخ أسعد شقير إلى نظارة الضبطية، وتولى الناظر وقدري بك رئيس الجواسيس استنطاقه. وقد بادر محمود نديم إلى «يلديز»، وأخبر عبد الغني (آغا دار السعادة) وعبد الغني بادر إلى السلطان شاكيا وباكيا، وقال إن أعدائي يريدون احتقاري، وقد أخذوا إمامي، وربما لحقه السوء ظلما وعدوانا. فصدرت إرادة السلطان باستدعاء الجميع إلى «يلديز» والاستمرار على التحقيق هنالك.
وقد كان أبو النصر يحيى السلاوي عندنا في يومنا هذا، فأخبرنا أن شفيق باشا ناظر الضبطية وقدري بك رئيس الجواسيس دعواه إلى النظارة وسألاه عما يعلم عنك، فقال لهم إنه يعرفك كما يعرفك سائر رفاقك الذين معك بنظارة المعارف، فقال له قدري بك: وهل يكتب ولي الدين فصولا في ذم السلطان ويبعث بها إلى جرائد الأحرار بمصر؟
Shafi da ba'a sani ba