ها نحن اليوم نمشط - كما قال أحد أدبائنا المعروفين في دفاعه عن أدبه - رأسا شمشونيا، ونحمد الله على أننا لا نمشط رءوسا قرعاء تعيي المقص والموسى، ولا تجد أسنان المشط فيها مجالا ...
إن الفترة العلائية كانت زبدة الحقبة العربية، وتركت في تاريخنا عصارة الفكر العربي، فما وثبت تلك الموجة البشرية من شط جزيرة العرب حتى غدت تيارا جارفا ألقى إلى اليابسة حيتانا روعت العالم.
انفتحت عين العربي على نور الحضارة فأفلت عقله من غلال الصحراء وقيودها، فتفتق عن أكمام سرية. استنارت بصيرته ففكر في المسألة الخالدة المستعصية.
كان العربي ساذجا يصدق كل ما يسمع. لم يكن يؤمن إلا بملكوت الرغيف، فلا يحسب لما وراء القبر حسابا، يعيش طبقا للآية التي وصفته:
ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ، أو كما قال الشاعر الجاهلي:
فدعني أروي هامتي في حياتها
ستعلم إن متنا غدا أينا الصدي
كانت القبيلة فوق الجميع، وكان العربي وهابا، فلما شعت أنوار الدين الجديد آمن سكان المدر إيمانا لا يعتوره شك، فاندفعوا إلى الفتوحات باسم الله العظيم، فعضدهم سبحانه وتعالى، وشد أزرهم بملائكة غضاب، كما قال شوقي، فحاربوا معهم حتى غلب وزهق الباطل.
ما انفصل العربي عن صحرائه واستقر في العمران حتى علق يفكر، والحياة المستقرة مدعاة التفكر والتفلسف.
رأى عالما لم يكن يتخيل له وجودا. كان في جاهليته كالطفل الذي يحسب ما تقع عليه عينه، حول ضيعته، كل الدنيا. عرف أديانا غير دينه الجديد المستحوذ على شعوره، فأخذ يقابل ويقايس ويحلل ويعارض هذا الدين بتلك المذاهب، واستوى منه علماء فتح أذهانهم كتاب الله العزيز الذي أنزله على رسوله قرآنا عربيا.
Shafi da ba'a sani ba