ألا ترى أنك تعنف الرجل بما سلف من فعله فتقول: ويحك لم تكذب! لم تبغض نفسك إلى الناس! ومثله قول اللَّه: «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ» «١» .
ولم يقل ما تلت الشياطين، وذلك عربي كثير فِي الكلام أنشدني بعض العرب:
إذا ما انتسبنا لم تلدني لئيمة ... ولم تجدي من أَنْ تُقِرِّي بها «٢» بُدًّا
فالجزاء للمستقبل، والولادة كلها قد مضت، وذلك أن المعنى معروف ومثله فِي الكلام: إذا نظرت فِي سير «٣» عمر ﵀ لم يسىء المعنى لم تجده أساء فلما كان أمر عُمَر لا يشك فِي مضيه لم يقع فِي الوهم أنه مستقبل فلذلك صلحت «مِنْ قَبْلُ» . مع قوله: فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ وليس الذين خوطبوا بالقتل هُمُ القتلة، إنما قتل الأنبياء أسلافهم الذين مضوا فتولوهم على ذلك ورضوا به فنسب القتل إليهم.
وقوله «٤»: سَمِعْنا وَعَصَيْنا ... (٩٣)
معناه سمعنا قولك وعصينا «٥» أمرك.
وقوله: وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ ... (٩٣)
فإنه أراد: حب العجل، ومثل هذا مما تحذفه العرب كثير قال الله:
«وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها» «٦» والمعنى سل أهل القرية وأهل العير وأنشدني المفضّل:
(١) . ١٠٢ سورة البقرة.
(٢) فى تفسير الطبري وفى المغني «به» أي بهذا الكلام، وهو لم تلدنى لئيمة. وقائله زائد بن صعصعة الفقعسي يعرض بزوجته وكانت أمها سرية وقبله:
رمتنى عن قوس العدوّ وباعدت ... عبيدة زاد الله ما بيننا بعدا
(مغنى اللبيب ج ١: ٢٥) .
(٣) فى ج، ش: سيرة.
(٤) فى ج، ش:
«وأما قوله» .
(٥) فى ش، ج: «ولكن عصينا» .
(٦) آية ٨٢ سورة يوسف.