80

دشنت المدرسة الثانوية الفرنسية. وقد جلس طه، الذي كان مستبعدا طيلة الوقت الذي كان فيه مهددا بالصواعق الرسمية، على منصة الشرف. وخلال العشاء الذي دعا إليه الوفد الفرنسي، كنت أجلس على يمين الوزير. كانت العاصفة قد هدأت، إلا أن أمينة المسكينة التي كانت تتمرن منذ شهر مع جوقة تتألف من أربعة أصوات، لم تستطع أن تغني «المجد لفرنسا».

131

فقد كانت تشكو من عسر الهضم، وخاب أملها بسبب ذلك.

كان الطفلان يكبران، وكانا متحابين دوما لكنهما يتشاجران غالبا. وذات يوم أغاظ مؤنس أخته عندما كانا في سقارة؛ إذ رفض الخروج من «السيرابيوم».

132

كان قد نزل إلى كل القبور التي استطاع النزول إليها في حين كانت هي نافذة الصبر بانتظاره.

لكن قلبها كان يظل مفعما بالحنان. فهي تكتب لأمها: «إنني أعتني بحمامة صغيرة، نظرا لأنها وحيدة تماما؛ حتى تتمكن من الطيران دوما.» دوما! يا لقلب الأطفال الرقيق! لقد مس طفل صغير من أيتام القاهرة القديمة شغاف قلبي ذات يوم إلى حد كبير، عندما ذهبت بصحبة غنيم لزيارة مؤسسة للأيتام. فقد أعطوه عصا وطلبوا إليه بغباء أن يقود الفرقة الموسيقية. وكان يحرك هذه العصا بغير مهارة محاولا أن يترنم بالغناء، لكنه كان أقرب إلى البكاء منه إلى الضحك بسبب هذه الحال!

كنا نصحح مسودات الترجمة الفرنسية للجزء الأول من كتاب «الأيام».

133

وكانت ترجمات هذا الكتاب إلى الألمانية والروسية والعبرية والإنجليزية قد صدرت من قبل. ... ثم وقعت المحنة من جديد في مارس 1932. ومرة أخرى كان طه يدفع غالبا ثمن جريمته أن يكون إنسانا حرا. والحق أنه لم يكف أساسا على الإطلاق عن دفع هذا الثمن، إلا أنهم كانوا يريدون سحقه حقا هذه المرة؛ إذ لم يكتفوا بطرده من الكلية التي كان عنوانا لعزتها وكرامتها وقوة نابضة فيها، وإنما أرادوا أيضا إحراق كتبه، فأخذوا منه بيته الذي يسكن فيه، وأغرقوه بالشتائم، وحاولوا أن يحرموه من كل وسيلة للعيش بمنعهم مثلا بيع الصحيفة التي كان يصدرها، وبإنذارهم البعثات الأجنبية في مصر بالكف عن أن تقدم له عروضا للعمل. ولا بد لي هنا من الثناء على الجامعة الأمريكية في القاهرة التي تحدت هذا الإنذار، وطلبت إلى طه تقديم مجموعة من المحاضرات؛ الأمر الذي قدم له دعما لا يقدر بثمن من قبل جمهور شاب كان يتحزب له، فضلا عن كونه أيضا دعما ماديا خفيفا.

Shafi da ba'a sani ba