فروع طه ودمدم شيئا بينه وبين نفسه، ولعله تلفظ بهذه الكلمات: «هذا فظيع!» كنا نتناول الغداء في الفندق مع إنجليزي لطيف كان يعيش في الجبل وارتبط مع طه بصداقة حميمة. وقال له هذا الأجنبي وقد رأى وجهه المتشنج حزنا: «لا بد أنه صديق عزيز هذا الذي فقدته.» فأجابه طه: «لم يكن لي من هو أكثر عداوة منه!» فنظر إليه السيد طويلا نظرة لا أستطيع التعبير عن الاحترام الذي كان يشع منها. وبدون أن يلفظ أي كلمة، وضع يده على كتف طه وربت عليه بقوة.
كانت هذه هي المرة الثانية التي نأتي فيها إلى لبنان
113
الذي أحببته منذ المرة الأولى التي هبطنا فيها إليه تحت وابل من المطر الغزير وفي الوحل؛ إذ لم يكن هناك بعد رصيف ميناء بالمعنى الحقيقي للكلمة. وكانت بيروت آنذاك جميلة ببيوتها الحمراء المليئة بالفتحات الخضراء هنا وهناك وبارتفاع شرفاتها في مواجهة الجبل. بحر لبنان وجباله وطبيعته تظل دوما متعة للنظر. كنا قد أتينا لحضور مؤتمر في التاريخ والآثار. ولقد كان مؤتمرا جميلا؛ فقد شارك فيه علماء كثر، وأقيم في بيروت حفل استقبال رائع لدى المفوض السامي «جوفينيل
Jouvenel »
114
كما أقام أشخاص أغنياء حفلات استقبال أخرى.
ولقد بدوت مأخوذة على الطريق المحفوف بأشجار البرتقال المزهرة والذي سيفضي بنا إلى طرابلس، لكننا وصلنا ليلا للأسف، وكان علينا أن نتابع الطريق منذ الصباح للصعود إلى قلعة الحصن. لم تكن الطرق معبدة آنذاك، لكن السائقين كانوا جسورين أيضا، كنا في غاية الإرهاق ونحن ننزل من القلعة، ولم يكن يخطر للعنزات التي كانت ترعى بسلام - (أتراها لا تزال ترعى؟!) على البلاط القديم المحدب - ما كنا نعانيه داخل سيارة لم تكن تسير مطلقا على خط مستقيم، ولم تكن تكف عن القذف بنا إلى السقف كلما كان عليها أن تدور مع منعطفات الطريق الوفيرة! على أن ذلك لم يكن يحد من عمق الانطباع الذي يخرج به المرء من القلعة القديمة التي كانت تحفل بتاريخ مدهش.
لم نكن في حلب سوى خمسة أشخاص؛ فالقسم الأعظم من الفريق كان في تدمر. وكان بصحبتنا آل دوسو وجورج سال
115
Shafi da ba'a sani ba