Tare da Kiɗa: Tunanin da Nazari
مع الموسيقى: ذكريات ودراسات
Nau'ikan
مع هذه التسجيلات أقضي اليوم - كلما سمحت المشاغل - أجمل الأوقات التي تتيح للمرء أن ينسى ضغط الحياة وتوترها ومدها وجزرها، لينتقل لحظات قصارا إلى عالم التوافق والصفاء وسكينة النفس وشفافية الروح. ولست أعني بذلك أنني ممن يتخذون الموسيقى وسيلة للهروب من مشكلات الحياة أو التخفيف منها، وإن كانت قادرة على ذلك بالفعل، فكثيرا ما تكون الموسيقى وسيلة لحشد طاقة الإنسان الروحية على نحو يستطيع معه أن يواجه مشكلاته بعزم أصدق وشجاعة أعظم. غير أني لا أميل، على وجه العموم، إلى أن أجعل من الموسيقى وسيلة لغاية أخرى، أيا كان جلال هذه الغاية وشرفها، وحسبي من التجربة الموسيقية أن تكون غاية في ذاتها، فإن كانت هذه التجربة تبعث في النفس طاقات روحية لا عهد للإنسان بها في حياته اليومية المألوفة، فإن أمثال هذه التأثيرات لا تعبر عن لب التجربة الموسيقية، وهي بالنسبة إلى هذه التجربة نتيجة عارضة غير مقصودة، ولن يجد المرء، لكي يعبر عن ماهية هذه التجربة، إلا أن يلجأ إلى تعبيرات شعرية صوفية لا تقدم ولا تؤخر، وإن كانت هي كل ما في متناول أيدينا إذا شئنا أن نتحدث عن عالم التآلف النغمي الفريد. وعلى من شاء أن يعرف كنه هذا العالم أن يمر بالتجربة ويبذل الجهد. وكل ما أستطيع أن أؤكده له أنه لن يندم على ما فعل. •••
وأحسب أن هناك مسألتين لو كنت قد استطعت نقلهما إلى ذهن القارئ لكانت هذه الذكريات الموسيقية، قد حققت قدرا كبيرا مما هدفت بها إليه. أولى هاتين المسألتين أنه لا توجد لدى أي مستمع، شرقيا كان أم غربيا، مناعة ضد الموسيقى العالمية، وأن في استطاعة كل إنسان مرهف الحس، أيا كان المجتمع الذي ينتمي إليه، أن يمر بتجربة تذوق هذا اللون من الموسيقى وينميها في نفسه، وعندئذ سيدرك أن الفن الموسيقي قادر على أن يقدم إليه ما هو أروع وأعمق بكثير من الألحان السطحية التي يكتفي بها المرء لو اقتصر على الاستماع التلقائي الضحل للموسيقى اليومية المألوفة.
أما المسألة الثانية فهي أن الموهبة الموسيقية شيء نادر لا ينبغي أن يضيع سدى، ومن الواجب كلما بدت تباشيرها أن تبادر الأسرة والدولة إلى تعهدها ورعايتها وتنميتها. والحق أن الإحساس الذي يغلب علي، كلما رجعت بذهني إلى ذكرياتي في عالم الموسيقى، هو الإحساس بفرص شاعت وإمكانات لم تتحقق، وتجارب لم تعرف طريقها إلى الاكتمال - وهو إحساس لا أود أن يتكرر في نفوس الأجيال الجديدة من أبنائنا.
وعلى أية حال، فإن هذه الذكريات، وربما هذا الكتاب بأسره، يسودها طابع «الاغتراب»؛ لأنها كلها مبنية على تجربة غير شائعة وغير مألوفة في مجتمعنا. ولكن هذا لا يعني أنها لم تكتب إلا لأصحاب التجارب المماثلة، إنها، على عكس ذلك، موجهة إلى الجميع، مستهدفة أن تشجع البعض منهم على خوض هذه التجربة الشائقة، وأن تقنع البعض الآخر بأن يقف من أصحاب هذه التجربة موقف الفهم والوعي وسعة الأفق، ويدرك - نظريا على الأقل - أن للفن أبعادا لا ينبغي بالضرورة أن تكون هي نفس الأبعاد التي ألفها وارتاح إليها. وأيا كان الحكم الذي ينتهي إليه القارئ بعد قراءته لهذه الصفحات فحسبي أن يعلم أنني نقلت إليه، بصدق وأمانة، صفحة من حياتي، وجانبا أعتز به من جوانب نفسي.
الإيقاع بين الحياة والفن
في البدء كان الإيقاع.
هانز فون بيلوف
حياتنا كلها غارقة في بحر من الإيقاع لا ينقطع هديره؛ فالكون من حولنا تدور ظواهره في إيقاع منتظم، يظهر أوضح ما يكون في دورات الأفلاك، وظهور النجوم والكواكب واختفائها، وفي تلك «التموجات» التي تتميز بها ظواهر الحياة، وذلك النبض الكوني الذي لا يعد نبض قلوبنا - أعني دليل الحياة فينا - إلا صدى داخليا له.
ومنذ أقدم العصور أثارت فكرة الإيقاع خيال الإنسان وحفزته على التأمل، فإذا به يأتي بالنظرية تلو النظرية لإثبات أن مسار الكون كله لا يعدو أن يكون إيقاعا هائلا ربما لم تكن حياة الإنسان بأسرها إلا نبضة واحدة من نبضاته، وإذا بفكرة «العود الأبدي» - أي المسار المتكرر للكون من البداية إلى النهاية وفقا لنظام ثابت يعود فيتردد مرات لا نهاية لها، كل مرة منها تمثل دورة كونية أو «سنة كبرى» وتشابه الدورات الأخرى في كل شيء - تغدو واحدة من أقدم النغمات المتكررة في الفكر البشري، ابتداء من «أنكسمندريس» في العصر اليوناني القديم حتى «نيتشه» في عهدنا القريب.
إن الإيقاع حولنا في كل مكان يشهد عليه تعاقب الليل والنهار، وتكرار أوجه القمر، وتتابع فصول السنة. وهو في داخل أجسامنا حقيقة لا تنكر تنظم بواسطتها شتى وظائفنا العضوية تنظيما دقيقا محكما، وفقا لفترات ودورات ثابتة، تؤكد لنا أن أعمق وظائف الحياة ذات طابع إيقاعي.
Shafi da ba'a sani ba